في تقرير من وكالة رويترز بتاريخ 8 أبريل، قال مسؤول رفيع في حزب الله إن المجموعة مستعدة للتفاوض مع رئيس لبنان بشأن وضع أسلحتها، بشرط أن تنسحب إسرائيل من النقاط الخمس التي احتلتها في جنوب لبنان وتتوقف عن مهاجمة لبنان. جاء هذا التقرير في وقت تتزايد فيه الدعوات محليًا ودوليًا لحزب الله بنزع سلاحه، خصوصًا بعد زيارة المبعوثة الخاصة للولايات المتحدة، مورغان أورتيغوس، إلى بيروت، حيث أكدت على ضرورة نزع سلاح الحزب.
يعد إعلان حزب الله تحولًا كبيرًا في مواقف الحزب منذ أكتوبر 2023، عندما كان حزب الله يمثل العدو الأشد قوة لإسرائيل وكان يعد من أكثر الأطراف المسلحة والمنظمة والمؤثرة في المنطقة، محور المقاومة الإيراني. كان حزب الله قد شغل هذا الدور منذ حربه مع إسرائيل في عام 2006، عندما أجبر الجيش الإسرائيلي على الانسحاب عبر الحدود اللبنانية، مما منح حزب الله نصرًا دعائيًا كبيرًا. هذه النتيجة كانت قد وضعت إسرائيل وحزب الله في قواعد اشتباك غير مكتوبة تعترف بقدرة كل طرف على إلحاق ضرر كبير بالآخر، مما جعل الهدنة غير المستقرة خيارًا أفضل. استمر هذا الردع المتبادل لمدة عقدين تقريبًا، مما جعل حزب الله يشعر بالحصانة ويعتبر إسرائيل “أضعف من شبكة عنكبوت”، كما قال أمينه العام الراحل حسن نصرالله عدة مرات. لكن في الخفاء، كانت إسرائيل قد بدأت في جمع المعلومات الاستخباراتية والتسلل إلى صفوف حزب الله لعدة سنوات.
بعد عام ونصف من الهجوم المفاجئ لحركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، تآكلت قواعد الاشتباك هذه إلى حد لا يمكن العودة منه، حيث تكبد حزب الله هزيمة كبيرة على يد الجيش الإسرائيلي الأقوى بكثير من حيث القوات العسكرية والاستخباراتية. مع اغتيال نصرالله في 27 سبتمبر 2024، ومنذ ذلك الحين انتخاب رئيس وزراء ورئيس لبناني مدعومين من الغرب، دخل لبنان (وبالتالي حزب الله) رسميًا مرحلة جديدة في تاريخه.
بدأت هذه المرحلة بحملة إسرائيلية من الضربات الجوية الشاملة في سبتمبر، التي أضعفت حزب الله عسكريًا بشكل كبير، تلتها غزوات إسرائيلية في أكتوبر، واتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر، وسقوط الرئيس السوري بشار الأسد – وهو حليف رئيسي لحزب الله – في ديسمبر. كل هذه الأحداث أضعفت تأثير حزب الله وغيّرت الديناميكيات الداخلية للبنان بعيدًا عن هيمنة الحزب.
خطأ حسابات حزب الله
قبل بداية الصراع بين إسرائيل وحزب الله، كان يُعتقد أن ترسانة حزب الله من الصواريخ واسعة النطاق من حيث الكمية والتنوع، بما في ذلك آلاف الطائرات المسيرة والذخائر الموجهة بدقة. نتيجة لذلك، كان جهازا الأمن الإسرائيلي والغربي، بالإضافة إلى المحللين المستقلين، يتوقعون أن يؤدي اندلاع الحرب إلى قصف هائل للصواريخ على المدن الإسرائيلية، بما في ذلك حيفا وتل أبيب. وقد أشارت التحليلات الاستخباراتية الإسرائيلية في السنوات الماضية إلى أن إسرائيل ستواجه صعوبة في تحمل قدرات حزب الله الصاروخية، حيث قدرت الدراسات أن حزب الله قد يطلق ما بين 500 إلى 1000 صاروخ وطائرة مسيرة يوميًا. لكن في الحرب التي بدأت في سبتمبر 2024، لم يحدث الزخم المتوقع لصواريخ حزب الله.
على عكس عام 2006، عندما ظلت ترسانة حزب الله سليمة ثم نمت، كانت حرب 2024 قد سبقتها سنة من الصراع المحدود، والضربات الإسرائيلية الدقيقة والفعالة، وعمليات التخريب الإسرائيلية، واغتيال معظم قادة حزب الله وكبار مسؤوليه، بمن فيهم نصرالله. هذه الضربات دمرت معظم القدرات العسكرية لحزب الله وعقيدته. بالإضافة إلى ذلك، فإن إيران، راعي حزب الله، ظلت غير راغبة في استفزاز حرب واسعة مع إسرائيل، مما قيد خيارات الحزب. وبالإضافة إلى ذلك، كانت حسابات حزب الله المبالغة في تقدير قدراته، حيث كان يعتقد أنه يمكنه أن يخوض صراعًا محدودًا من الاستنزاف سيضغط في النهاية على إسرائيل للتفاوض. لكن إسرائيل كانت لديها خطط أخرى، وقد قامت بتكييف استراتيجيتها العسكرية لتكون أكثر كفاءة، مدعومة بقوتها الجوية وقدراتها التكنولوجية المتفوقة.
صراع حزب الله للتكيف
يواجه حزب الله العديد من القيود في ظل وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ليس أقلها أن خسارته لكثير من أسلحته الاستراتيجية تحرم الحزب من نفوذه الكبير في المفاوضات؛ كما أن حزب الله يواجه صعوبة في إعادة تزويد ترسانته، حيث أصبحت الطرق السابقة عبر سوريا غير فعالة بعد سقوط الأسد، والعديد من الطرق الأخرى أصبحت غير قابلة للاستخدام في ظل الحصار الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، يتطلب وقف إطلاق النار أن يسلم أعضاء حزب الله جنوب نهر الليطاني (الذي كان منطقة عازلة سابقًا) أسلحتهم للدولة، وتشير الدعوات الأخيرة من القادة الإسرائيليين والأمريكيين إلى أنهم قد يمددون هذا المطلب إلى مناطق شمال الليطاني كشرط لوقف دائم للأعمال العدائية. وزيادة على هذا الضغط، فإن التحولات السياسية في لبنان تضعف تأثير حزب الله المحلي، حيث يتزايد تأييد الرأي العام الداخلي للمطالب الدولية بنزع سلاح الحزب وترك قرارات الحرب والسلام في يد الدولة اللبنانية.
على الرغم من هذه التحديات، من غير المرجح أن يتخلى حزب الله عن سلاحه في المستقبل القريب. بينما لم يعد الحزب يمتلك نفس مستوى الأسلحة الاستراتيجية كما كان قبل حرب غزة، لا يزال حزب الله أقوى فصيل مسلح في لبنان، على قدم المساواة مع الجيش اللبناني في العديد من المجالات وأحيانًا يتفوق عليه في بعض الجوانب مثل الخبرة والتسليح. بالإضافة إلى ذلك، سيواصل وجود إسرائيل في جنوب لبنان وحملتها الجوية المستمرة، والوقت الممتد الذي يتطلبه التفاوض مع الحكومة اللبنانية لاستراتيجية دفاعية وطنية، ورغبة حزب الله في أن يظهر نفسه كطليعة للمقاومة قبيل الانتخابات البرلمانية اللبنانية 2026، مما سيدفع الحزب للاحتفاظ بأسلحته. إذا لم يكن هذا كافيًا، فإن خطاب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في 18 أبريل أغلق الباب أمام نزع السلاح من خلال وضع شروط مسبقة لأي مفاوضات حول استراتيجية دفاعية وطنية، كما رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.
نتيجة لذلك، سيتعين على حزب الله إعادة تقييم استراتيجيته العسكرية. أولًا، سيعطي الحزب الأولوية للجهود لإعادة التسلح عبر إيران، باستخدام طرق التهريب عبر البر والبحر والجو. ومع ذلك، ستكون هذه الجهود بطيئة بطبيعتها وتحمل مخاطر كبيرة في حال محاولة القوات الإسرائيلية اعتراضها، مما قد يؤدي إلى تجدد الصراع. لتسهيل هذه التحويلات العسكرية، من المحتمل أن يسعى حزب الله إلى تقويض سيطرة “هيئة تحرير الشام”، المجموعة التي تقود الحكومة الانتقالية السورية، حتى يتمكن من إعادة فتح طرق التهريب الهامة عبر سوريا. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية قد تجذب ردود فعل عكسية وقد تعيد حزب الله إلى ديناميكيات الصراع السوري، خاصة إذا تضمنت التعاون مع العلويين الذين في صراع مع السلطات السورية الجديدة.
سياسات حزب الله المستقبلية
سيحاول حزب الله التأثير في مفاوضات ترسيم الحدود لضمان استمرار نزاع مزرعة شبعا، وهي منطقة متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل وسوريا، لكنها تحت الاحتلال الإسرائيلي ويطالب بها لبنان. سيكون التنازل عن هذه المطالب بمثابة هزيمة سياسية ما لم يتم تعويضها بتنازلات، مثل إزالة نقاط التفتيش الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، سيضغط حزب الله على الدولة اللبنانية لاتخاذ إجراءات ضد وجود إسرائيل في جنوب لبنان وضد الضربات الجوية المستمرة، بما في ذلك في العاصمة بيروت. من المحتمل أن تشمل هذه الضغوط حججًا من النواب المؤيدين لحزب الله في البرلمان اللبناني، وخطابًا قويًا من الأمين العام لحزب الله وتهديدات لاستئناف وتيرة عالية من الهجمات ضد المواقع الإسرائيلية. بينما سيكون من غير المحتمل أن يفي حزب الله بهذه التهديدات في ظل الحاجة لإعادة بناء الاستخبارات والقدرات العسكرية، إلا أن استفزازًا كبيرًا — مثل الهجمات المباشرة على إيران أو الاغتيالات المستهدفة للقادة الرئيسيين أو الغزوات العسكرية الإسرائيلية الكبيرة — قد يدفع حزب الله إلى تجديد الصراع.
أخيرًا، سيقاوم حزب الله جهود الإصلاح الاقتصادي الداخلي، خصوصًا التدابير المتعلقة بالشفافية التي قد تهدد قدرته على إعادة التسلح وإعادة بناء البنية التحتية. بدلاً من ذلك، سيبطئ الحزب عمليّات الإصلاح في لبنان بينما يبحث عن طرق للاستفادة من المساعدات الدولية من الاتحاد الأوروبي والدول العربية والولايات المتحدة.
السيناريوهات الثلاثة لمستقبل حزب الله
مع أخذ هذه النقاط في الاعتبار، تعرض السيناريوهات أدناه ثلاث طرق محتملة تطور بها الديناميكيات بين لبنان وحزب الله وإسرائيل في الأشهر القادمة:
رغم تصريحات الحكومة اللبنانية الجديدة الواضحة لصالح السيادة الوطنية والإصلاح المؤسسي، من غير المرجح أن تظهر خطوات ملموسة نحو نزع سلاح حزب الله في هذا السيناريو. السبب الرئيسي هو أن الدولة اللبنانية ستظل حذرة وتراعي التوترات الطائفية، والضعف السياسي، والهشاشة الاقتصادية، مما يجعلها تتردد في مواجهة حزب الله بشكل مباشر.
في هذا السيناريو، قد تتيح الدبلوماسية الدولية المستمرة إلى تقليل التوترات، وهو ما يفتح المجال لنزع سلاح حزب الله تدريجيًا. الحكومة اللبنانية قد تتفاوض مع الحزب حول استراتيجية دفاعية وطنية تهدف إلى تقليص استقلاليته العسكرية.
في هذا السيناريو، تتصاعد الضغوط العسكرية الإسرائيلية والدبلوماسية الأمريكية، مما يدفع حزب الله إلى اتخاذ موقف عدواني أكثر، مما يؤدي إلى تجدد المواجهة العسكرية.
مستقبل هش ومؤقت
على الرغم من أن الأحداث الأخيرة قد فتحت الباب لفصل جديد في تاريخ لبنان، إلا أن استقرار الحكومة اللبنانية الجديدة سيظل هشًا في الأشهر القادمة وسط ضغوط من جميع الاتجاهات. سيقوم حزب الله بثني الحكومة عن الرضوخ للمطالب الإسرائيلية والأمريكية، بينما ستدفع الولايات المتحدة نحو نزع سلاح حزب الله، وستواصل إسرائيل، التي أصبحت أكثر عدوانية، ضرب حزب الله والإبقاء على وجودها العسكري في جنوب لبنان. كما أن وضع حزب الله سيظل محفوفًا بالمخاطر نظرًا لأن خياراته محدودة: إما تجديد الصراع الكامل مع إسرائيل أو نزع السلاح، وكلا الخيارين ليسا جذابين له.
بالنسبة لإسرائيل، فإن العودة إلى قواعد الاشتباك السابقة حيث يهدد حزب الله حدودها لم تعد مقبولة، ومع تعزيز القوة العسكرية والدولية لإسرائيل بفضل انتصارها على حزب الله في الحرب الماضية، من شبه المؤكد أن إسرائيل ستستمر في كونها عدوانية وقسرية. بينما لا يزال غير واضح كيف ستتطور هذه الضغوط المتنافسة، فإن وضع حزب الله في لبنان، ولأول مرة في التاريخ الحديث، ليس مضمونًا، والباب مفتوح أمام الدولة اللبنانية لتغيير مسارها. إن التفاعل بين العديد من العوامل المذكورة أعلاه هو الذي سيساعد في تحديد مسار حزب الله ولبنان بشكل أوسع، في الوقت الذي تلوح فيه تفضيلات إسرائيل للعمل العدواني.