رأيت مخالفات قانونية وتواطؤًا مع جرائم حرب.. لهذا السبب استقلت من وزارة الخارجية البريطانية

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
02/11/2025
شارك المقالة

المصدر:الجارديان

نص ترجمة أمد:

 

الوزراء وكبار المسؤولين حموا صفقات الأسلحة التي تسببت في الموت والرعب في غزة واليمن. أناشد زملائي السابقين لمقاومتهم.

 

اسمي مارك سميث، وأنا دبلوماسي سابق ومستشار سياسات في وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية (FCDO). قضيت مسيرتي المهنية في إدارة الشرق الأوسط، حيث عملت في العالم العربي. بصفتي مسؤولًا رئيسيًا عن سياسة مبيعات الأسلحة، كنت مسؤولًا عن تقييم مدى التزام مبيعات الأسلحة البريطانية بالمعايير القانونية والأخلاقية وفقًا للقانونين المحلي والدولي.


في أغسطس 2024، قدمت استقالتي احتجاجًا على رفض الحكومة البريطانية وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل وسط القصف المستمر لغزة. جاء هذا القرار بعد أكثر من عام من الضغط الداخلي وكشف المخالفات. أحدثت استقالتي ضجة إعلامية، وبعد أسابيع، أعلنت الحكومة العمالية الجديدة أنها ستعلق أخيرًا مبيعات الأسلحة لإسرائيل. ورغم الترحيب بهذه الخطوة، فإنها جاءت متأخرة للغاية، حيث استمرت إسرائيل في ارتكاب الفظائع في غزة، بينما تواصل المملكة المتحدة الوقوف موقف المتفرج دون اتخاذ أي إجراء.

 

خلال عملي في وزارة الخارجية البريطانية، كشفت لي التجربة كيف يمكن للوزراء التلاعب بالإطار القانوني لحماية الدول “الصديقة” من المساءلة. إنهم يماطلون، ويشوهون، ويخفون العمليات الرسمية لخلق واجهة زائفة من الشرعية، بينما يسمحون بوقوع أبشع الجرائم ضد الإنسانية. والآن، بينما تقترح الولايات المتحدة – أحد أقرب حلفائنا – تطهيرًا عرقيًا واسع النطاق في غزة، ما سيكون ردنا؟


ما شهدته لم يكن مجرد فشل أخلاقي، بل سلوكًا أعتقد أنه تجاوز عتبة التواطؤ في جرائم الحرب. للشعب البريطاني الحق في معرفة كيف تُتخذ هذه القرارات خلف الأبواب المغلقة، وكيف تمكّن الاختلالات المنهجية الحكومة من مواصلة إلحاق الأذى بينما تحمي نفسها من المساءلة.

 

الإطار القانوني في المملكة المتحدة واضح: يجب وقف مبيعات الأسلحة إذا كان هناك “خطر واضح” من استخدامها في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي. يلتزم الموظفون المدنيون بقانون صارم من الحياد، يُلزمهم بتقديم مشورة موضوعية قائمة على الأدلة. أي محاولة لتغيير هذه المشورة أو التلاعب بها لأغراض سياسية ليست فقط غير أخلاقية، بل غير قانونية أيضًا.


ومع ذلك، خلال فترة عملي، شهدت ضغوطًا مكثفة من الوزراء على المسؤولين الكبار لتحريف التقييم القانوني. كانت تقاريري تُعاد إليّ مرارًا مع تعليمات بـ”إعادة التوازن” إلى النتائج – أي التخفيف من حدة الأدلة على الأضرار التي لحقت بالمدنيين، والتركيز على الجهود الدبلوماسية، بغض النظر عن الحقائق.

 

أخطر مثال على هذا التلاعب حدث خلال عملي على مبيعات الأسلحة إلى السعودية في ظل حملتها العسكرية في اليمن. كانت الحكومة البريطانية على دراية كاملة بأن الضربات الجوية السعودية تتسبب في خسائر فادحة بين المدنيين. في اجتماع رفيع المستوى حضره مسؤولون كبار، بمن فيهم مستشارون قانونيون، تم الاعتراف بأن المملكة المتحدة تجاوزت الحد القانوني الذي يستوجب وقف مبيعات الأسلحة. لكن بدلًا من تقديم توصية للوزراء بوقف الصادرات، تحول التركيز إلى إيجاد طرق لـ”تصحيح الوضع” قانونيًا.

 

بينما كانت قضية السعودية مقلقة، فإن ما شهدته بشأن مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل كان أكثر إثارة للقلق. القصف الإسرائيلي المتكرر لغزة أسفر عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير البنية التحتية الحيوية، وهي أعمال تتعارض بوضوح مع القانون الدولي. ومع ذلك، واصلت الحكومة البريطانية تبرير مبيعات الأسلحة لإسرائيل، معتمدة على نفس العمليات المعيبة والتكتيكات المراوغة.

 

اتبعت كل الإجراءات الداخلية المتاحة لي لطرح مخاوفي. تواصلت مع فريق الإبلاغ عن المخالفات، وكتبت إلى كبار المسؤولين، بل واتصلت مباشرة بوزير الخارجية ديفيد لامي. لكن في كل خطوة، قوبلت بالمماطلة والتضليل والرفض الصريح للتعامل مع القضية. أصبح واضحًا أن النظام لم يُصمم لمحاسبة نفسه، بل لحماية نفسه بأي ثمن.


لا يمكن أن يستمر تواطؤ المملكة المتحدة في جرائم الحرب. يجب أن نطالب بالشفافية والمساءلة في سياسات تصدير الأسلحة. يجب أن يُحاسب الوزراء وفقًا لنفس المعايير القانونية والأخلاقية التي يدّعون التمسك بها. كما يجب تمكين الموظفين المدنيين من تقديم مشورة محايدة دون خوف من التدخل السياسي، وحماية المبلّغين عن المخالفات بدلاً من معاقبتهم على قول الحقيقة.

شارك المقالة
مقالات مشابهة