دوافع الاتفاق بين قسد والشرع..   كيف يخدم التوقيت الطرفين؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
03/12/2025
شارك المقالة

تشهد الساحة السورية تغيرات جذرية تعكس التحولات الكبرى في موازين القوى الكبرى، إن الاتفاق الأخير الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وأحمد الشرع الممثل للإدارة الجديدة كان له عوامل متعددة الأبعاد بعضها على المستوى الداخلي وأخرى على المستوى الخارجي. لم يكن الاتفاق وليد اللحظة، بل جاء نتيجة تراكمات سياسية واستراتيجية فرضتها ظروف محلية داخل سوريا وإقليمية ودولية. فما هي تلك الظروف التي مهدت للاتفاق في هذا التوقيت تحديدا؟ ماذا وراءه من أهداف لكلا الطرفين؟

 

العوامل الخارجية المؤثرة في الاتفاق

 

لعبت المصالحة التركية الكردية التي قادها التيار القومي في تركيا المتحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، مع عبد الله أوجلان، الزعيم الروحي للتنظيمات الكردية دورًا جوهريًا. وبالرغم من أن مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديموقراطية أكد أن إعلان أوجلان غير مرتبط به، إلا أن له تأثير لا يمكن إنكاره نظرا لمكانة أوجلان داخل تلك التنظيمات. مما جعل قسد مضطرة إلى إعادة ترتيب حساباتها وفقًا للمستجدات الإقليمية.

 

علاوة على ذلك، فإن التراجع الأمريكي الملحوظ في دعم الحلفاء أثّر بشكل مباشر في قرار قوات سوريا الديمقراطية. فقد أظهرت إدارة ترامب سياسات غير موثوقة تجاه حلفائها، كما بدا جليًا في تعاملها مع أوروبا وأوكرانيا والمقابلة المهينة العلنية التي جرت مع رئيس أوكرانيا، ما أثار شكوكًا في التزامها بحماية حلفائها في العالم فضلا عن تنظيمات مسلحة في الشرق الأوسط كالتنظيم الكردي. كما أن موقف ترامب المتذبذب في الملف السوري ورؤيته وتصريحاته المتضاربه بمثابة إنذار لقسد بأن الاعتماد على الولايات المتحدة قد يكون رهانًا غير مأمون العواقب وقد تجد نفسها في صراع الإدارة السورية الجديدة وحلفائها بدون دعم عسكري كافي.

 

من جهة أخرى فإن نتائج الحرب الأخيرة في غزة أثرت على المشهد الإقليمي، إذ إن الخسارة الاستراتيجية التي تكبدتها إسرائيل دفعت الكثيرين إلى إعادة تقييم مدى قدرة إسرائيل على الفعل في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى إضعاف فكرة “ممر داود”، وهو المشروع الإسرائيلي الذي كان يهدف إلى ربط مناطق شرق سوريا وكردستان العراق وأقاليم الدروز تحت نفوذ إسرائيلي، مما يعزز وجودها الاستراتيجي في المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا ويصنع لها أدوات وحلفاء لمواجهة التهديدات المحتملة.

 

ويعد الاتفاق بين قسد والشرع خسارة كبيرة لإسرائيل، التي كانت تأمل في تنفيذ مشروع “ممر داود”، وهو المخطط الذي كان سيعزز نفوذها في المنطقة بشكل غير مسبوق. أما إيران فقد شهدت تراجعًا في نفوذها حيث اضطرت طهران إلى تبني موقف دفاعي بعدما فقدت القدرة على التمدد بحرية كما كان في السابق. وهي تعيش حالة أشبه ببتر اليد، حيث انتقلت إلى موقف دفاعي بعد أن كانت تملك اليد العليا في بعض أجزاء سوريا والعراق. في المقابل، عززت كل من تركيا والسعودية نفوذهما في سوريا، مما أدى إلى إعادة تشكيل خريطة النفوذ في المنطقة، ما جعل الخيارات أمام قسد أكثر تعقيدًا حيث من المحتمل أن تقدم تركيا دعما عسكريا للإدارة الجديدة وتشارك في العمليات العسكرية بشكل واسع، فيما قد تقدم السعودية دعما سياسيا وماليا يغطي احتياجات العمليات. 

 

العوامل الداخلية و الديناميكيات المحلية

إلى جانب المتغيرات الخارجية، كان للمشهد الداخلي دور لا يقل أهمية في دفع قسد إلى التوصل إلى اتفاق مع أحمد الشرع. فقد أدت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قامت بها فلول النظام السوري والعلويين إلى انكسار هذه القوى، وهو ما كشف حدود الدعم الدولي لها. فلم تتدخل القوى الكبرى لحماية الانقلاب وعلى وجه الخصوص روسيا التي يشتبه بوجود دور غير مباشر لها في تنسيق تلك العمليات في قاعدتها العسكرية المتواجدة في الساحل، مما أشار إلى عدم استعداد روسيا أو القوى الكبرى للانخراط المباشر في صراعات جديدة في سوريا، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة التي تواجه النظام العالمي وتحولاته الجديدة التي تنذر بتفككه.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن المكون العربي داخل قسد كان عاملاً حاسمًا في إعادة التفكير في الخيارات المتاحة أمام القيادة العسكرية. فقد كان هناك تخوف حقيقي من إمكانية حدوث انشقاقات ميدانية داخل قوات سوريا الديمقراطية في حال حدوث صدام مباشر مع الإدارة الجديدة. وقد سبق أن شهد الشمال السوري أحداثًا مشابهة عندما استطاع أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام وقتها تحقيق اختراقات عميقة داخل الفصائل المسلحة وتحويلها لصالحه، وهو سيناريو كانت قيادة قسد تسعى لتجنبه وأن لا تتورط فيه خلال أول أسبوعين للعمليات ردع العدوان، كما أن المظاهرات التي خرجت في الحسكة وعدد من المدن أظهر عدم وجود تأييد شعبي لها.

 

القواعد العسكرية الأمريكية وحدود الفعل والتأثير

 

رغم وجود قواعد عسكرية أمريكية في منطقة شرق الفرات، إلا أن الظروف الحالية تختلف عن السابق. ففي الماضي، كانت الولايات المتحدة تواجه تنظيمات مسلحة غير معترف بها دوليًا مثل هيئة تحرير الشام وتنظيم داعش. أما الآن، فالوضع يختلف كثيرا حيث باتت الإدارة الجديدة التي يمثلها أحمد الشرع تحظى بشرعية شعبية ودولية، بل دعم إقليمي مما جعل خيار المواجهة العسكرية أكثر كلفة لقسد، حيث لا تساهم البيئة الإقليمية في تبرير تدخل أمريكي مباشر وانخراط في عمليات عسكرية مع قسد.

 

لذلك فضلت قيادة قسد تبني نهج أكثر مرونة، إذ رأت في أحمد الشرع شريكًا يمكن التفاهم معه بدلاً من الدخول في صراع غير مضمون النتائج. لقد كان القرار عقلانيًا إلى حد بعيد، حيث يتيح لها الاحتفاظ ببعض المكتسبات السياسية والعسكرية بدلاً من المغامرة في بيئة معقدة ومتغيرة.

 

رغم أن الاتفاق بين قسد وأحمد الشرع يمثل نقطة تحول مهمة، إلا أنه لا يزال في طور الاختبار. فنجاحه مرتبط بعدة عوامل، أهمها مدى التزام الأطراف المختلفة بتطبيق بنوده، وكذلك المواقف المستقبلية للقوى الدولية المؤثرة. ومن المتوقع أن تشكل الخطوات الأمريكية القادمة عاملًا حاسمًا في تحديد مدى استمرارية الاتفاق، خاصة إذا قررت واشنطن الانسحاب من شرق سوريا، وهو أمر قد يعيد ترتيب الأولويات لدى جميع الأطراف.

شارك المقالة
مقالات مشابهة