خريطة القوى الفاعلة في اليمن، وسيناريوهات المستقبل القريب

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
04/26/2025
شارك المقالة

يعتبر اليمن ساحة صراع معقدة تتداخل فيه الأبعاد الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية، فمنذ بداية الأزمة في عام 2014 شهدت اليمن العديد من الأحداث المؤثرة والصراعات المتعاقبة والمعقدة والحرب الداخلية والتدخلات العسكرية، والضغوط الإقليمية والدولية. وكانت النقطة الفارقة هي سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة عام 2014، ثم دخول التحالف في حرب ضد الحوثيين في عام 2015، وهذه الورقة تستعرض الأطراف الفاعلة في الساحة اليمنية محليا وإقليميا ودوليا، والسيناريوهات المستقبلية في ضوء المتغيرات والتطورات الحالية.

 

أولا: الأطراف المحلية الفاعلة

 

١- الحكومة الشرعية وحلفاؤها:

الرئاسة والحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة المعترف بها دوليا والمدعومة عسكريا من المملكة العربية السعودية بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والطائرات، وتضم عدة قوى على رأسها التجمع اليمني للإصلاح الذي يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة في معظم المحافظات اليمنية وله أدوار بارزة في تنظيم الجهود العسكرية ضد الحوثيين، كما تضم المقاومة الشعبية التي تتكون من فصائل محلية تقاتل ضد الحوثيين في مختلف المحافظات ويتلقون تدريبات ودعما من السعودية.

وتسيطر الحكومة الشرعية على ما نسبته 60.4% من مساحة اليمن، وتشمل محافظات المهرة وحضرموت شرقا وتعز ومأرب وأجزاء من الحدود الشمالية مع السعودية ومناطق أخرى، كما تسيطر الشرعية على ساحل البحر العربي والمحيط الهندي ذو الأهمية الكبيرة في التجارة العالمية، وعلى مناطق غنية بالنفط والغاز والمعادن.

 

٢- الحوثيون “جماعة أنصار الله”:

وتمتلك قوة عسكرية كبيرة تضم مئات الآلاف من المقاتلين ولديها قدرات عسكرية كبيرة وتولي اهتماما كبيرا بتطوير قدراتها في مجالات أهمها تصنيع الذخائر والمسيرات وتطوير القدرات الصاروخية، وتحظى بدعم وإسناد كبير من إيران منذ 2012 وحتى اليوم، ولا غرو فهم ذراع من أهم أذرع النفوذ الإيراني في المنطقة، ويهدف الحوثيين إلى حكم اليمن والسيطرة على مقدرات وثروات الدولة اليمنية.

ولاشك أن دور الحوثيين في الصراع الدائر في البحر الأحمر والبحر العربي وفي باب المندب وتهديدهم خطوط التجارة ودخولهم على خط الإسناد في حرب غزة جعلتهم في قائمة الاستهداف الإسرائيلي والأمريكي المباشر.

ويسيطر الحوثيون على ٢٢.٨% من مساحة اليمن فقط، لكنها مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة، ويسيطرون على المؤسسات اليمنية بسيطرتهم على العاصمة صنعاء وعلى شركة الاتصالات التي تدر عليهم عائدا اقتصاديا كبيرا.

 

أهداف عمليات  الحوثيين في البحر الاحمر:

  • زيادة نفوذهم الاستراتيجي ومنحهم شرعية شعبية وأخلاقية محلية وعربية وإسلامية من خلال إظهار دعمهم للمقاومة الفلسطينية.
  • السيطرة على الساحل الغربي اليمني شديد الأهمية التجارية ولتأمين خطوط الإمداد ولمنع تمكن غيرهم من السيطرة عليه.
  • تأمين المصالح الإيرانية وتوظيف الهجمات كورقة ضغط إيرانية.

 

٣- المجلس الانتقالي الجنوبي:

تم تأسيسه عام 2017 بدعم وإسناد إماراتي ولديه 16000 مقاتل، بالإضافة إلى قوة العمالقة وعددها 19000 مقاتل، وهي قوات تتسلح بأسلحة متوسطة وثقيلة وهي خارج سيطرة الدولة وبغير غطاء دستوري لكنها مدعومة بالكامل من دولة الإمارات.

استطاع المجلس الانتقالي فرض أجندته وأهدافه المتعلقة به ككيان سياسي انفصالي يسيطر على الجنوب اليمني. ويسيطر على الأجهزة الأمنية في المحافظات الخاضعة لسيطرته.

ويحقق المجلس بصورة ما أهداف الإمارات بدون تبعات كبيرة عليها، فيقوم بتعطيل الموانئ اليمنية لمصلحة الموانئ الإماراتية، وبواسطته استطاعت الإمارات السيطرة العسكرية والأمنية على أهم المواقع الاستراتيجية مثل جزيرة سقطرى وجزيرة ميون وميناء عدن ومنشأة بلحاف، كما أنشأت قواعد عسكرية إماراتية في سقطرى وعند باب المندب، وبتسهيل وجود عسكري وأمني للقوى الغربية وأدواتها في المنطقة.

ويسيطرون على 15.6 % من مساحة اليمن وتشمل عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة وسقطرى وجزء مهم من ساحل حضرموت والمهرة.

 

٤- المقاومة الوطنية وحراس الجمهورية:

تأسست في 2018 على يد نجل شقيق على عبد صالح العميد الركن طارق صالح عفاش، وعددها 15000 مقاتل وهي قوة عسكرية خارج إطار الشرعية مدعومة من الإمارات وتسيطر على 1.2% من اليمن لكنها مناطق مهمة في الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر وباب المندب وهي مناطق نفوذ إماراتية.

 

٥- قوات درع الوطن:

تشكلت بقرار جمهوري من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في يناير ٢٠٢٣م، لتكون قوة احتياط استراتيجي تتبعه مباشرة على أن يحدد عدد ونوع وأماكن انتشار هذه القوات بأوامر عملياتية تصدر منه. جميع القادة في هذه الوحدات هم من السلفيين وجميعهم من المحافظات الجنوبية.

وتتكون هذه القوات  من خمس فرق عسكرية بإجمالي عدد 15 لواء عسكري ويبلغ عدد أفراد هذه الوحدات   20ألف مقاتل ومعهم 250 عربة وآلية عسكرية متطورة. وتم تشكيل وحدات جديدة في محافظة المهرة ليصبح عدد ألويتها ٢٥ لواء. تقدم القوة نفسها كقوة أسست لقتال جماعة الحوثيين والتصدي للمشروع الإيراني.

تتمركز هذه القوات في العديد من المحافظات وهي عدن ولحج وحضرموت وتعز وأبين وشبوة والضالع ومقرها الرئيسي في عدن كما تتولى تأمين وحماية منفذ الوديعة البري بين اليمن والسعودية. حسب المصادر؛ يتم بشكل شبه يومي الدفع بمئات الأطقم من السعودية عبر منفذ الوديعة كدعم لوجستي لقوات درع الوطن ويقدر ما وصل منها 3600 طقم مسلح ومعهم معدات نوعية.

 

ثانيا: الأطراف الإقليمية الفاعلة:

 

1- السعودية:

تلعب السعودية دورًا مركزيًا في الملف اليمني ومنذ الثورة الشعبية في ٢٠١١ كان للمبادرة الخليجية دور في توجيه مسار الثورة، وبرغم بعض التحليلات التي تشير إلى دور للسعودية في دعم بعض الشخصيات والكيانات، بما في ذلك علي عبد الله صالح، الرئيس السابق لليمن، كما تشير لأن بعض سياساتها قد أسهمت في تفكيك الحكومة الشرعية أو زعزعة استقرارها؛ فإن الثابت والقطعي أن السعودية تحركت عسكريًا في عام 2015 لقيادة التحالف العربي لدعم الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليًا ضد الحوثيين.

وتسعى السعودية إلى الحفاظ على استقرار حدودها الجنوبية، وتعتبر اليمن جزءًا من مجالها الحيوي. كما تهدف إلى منع تمدد النفوذ الإيراني على حدودها. وتسعى أيضا إلى حماية مصالحها الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية. والحد من المخاطر العسكرية ومنها احتمال تكرار الهجمات الحوثية على أراضيها وعلى مصافي النفط، كما تسعى إلى الحد من تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن.

ومن المتوقع أن تستمر السعودية في دعم الحكومة اليمنية، مع محاولة إيجاد حلول تحفظ مصالحها. لكن الأحداث الأخيرة في لبنان وسوريا وإيران وما نتج عنها من تحجيم أذرع إيران وعودة ترامب ورغبته في ضرب قدرات الحوثيين قد تعتبرها السعودية فرصة مواتية للقضاء على التهديد الإيراني، فتقدم عبر تنسيق مع ترامب على دعم خطوات عسكرية برية للقضاء على الحوثيين.

 

2- الإمارات:

تعتبر الإمارات طرفا فاعلا في الأزمة اليمنية، فبينما دعمت التحالف العربي في الحرب على الحوثيين، فقد دعمت وموَّلت أيضا المجلس الانتقالي الجنوبي.

تسعى الإمارات إلى تعزيز طموحها بأن تصبح قوة إقليمية بديلة في المنطقة، بما في ذلك بقاء نفوذها على المياه الإقليمية وعلى باب المندب وترسيخ موقعها كمركز دولي في الملاحة البحرية، ودعم ميناء جبل أبو علي بتعطيل الموانئ اليمنية، كما تسعى إلى العمل مع السعودية على إيجاد بديل لضخ النفط عبر مضيق هرمز الذي تهدد إيران بإغلاقه، وتأمين الممرات البحرية الحيوية في البحر الأحمر. كما تهدف إلى تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في اليمن، ما يعكس طموحاتها الإقليمية.

كما تريد الإمارات أن تضمن عدم وجود مستقبلي مؤثر للقوى الإسلامية اليمنية. كما تسعى إلى الحد من مخاطر فقدان الدعم الدولي بسبب الانتهاكات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها. ويتوقع ألا تتفاعل الإمارات مع أي عملية عسكرية ما لم تحقق لها طموحات النفوذ والسيطرة على الجزر والموانئ اليمنية وضمان مصالحها الأخرى.

 

3- إيران:

تعتبر إيران هي الداعم الرئيسي الأول للحوثيين،  حيث تقدم لهم الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، وتسعى من خلال هذا الدعم إلى توسيع نفوذها في المنطقة وتحقيق استراتيجيتها الإقليمية لمواجهة النفوذ السعودي  والأمريكي ومحاصرة السعودية  ومنعها من الحصول على مسار آمن لتصدير النفط كبديل لمضيق هرمز. كما تسعى إيران إلى التأكيد على أن اليمن جزء من “الهلال الشيعي” الذي يمتد من العراق وسوريا إلى لبنان.

ومن المؤكد أن إيران ستستمر في دعم الحوثيين كوسيلة للضغط على خصومها الإقليميين والدوليين. وأنها ستقف بكل ما تستطيع ضد أي فعل عسكري يستهدف الحوثيين، وأنها وبرغم البعد الجغرافي ستقدم للحوثيين كافة الدعم العسكري والمعلوماتي واللوجستي إلى أبعد مدى.

 

ثالثا: الأطراف الدولية الفاعلة:

 

1- الولايات المتحدة الأمريكية:

 لا شك أن انخراط الحوثيين في جبهة الإسناد لغزة وفرضهم حصارا بحريا على السفن المتجهة إلى المواني الإسرائيلية يشكل متغيرا كبيرا دفع أمريكا إلى رفع مستويات التصعيد ضد الحوثيين فتم إعادة تصنيفهم ضمن قائمة الإرهاب وزيادة حزمة العقوبات الاقتصادية عليهم، كما تم تنفيذ ضربات عسكرية جوية وبحرية عليهم.

ويؤكد ذلك أن  أمريكا بدأت هجومها العسكري جوا وبحرا في مارس ٢٠٢٥ كردٍّ فوري على إعلان الحوثيين استئناف هجماتهم ضد السفن الإسرائيلية عقب استئناف العدوان على غزة والخرق الإسرائيلي للهدنة التي وقعوا عليها.

كما أراد ترامب بضرب الحوثيين تعزيز موقع نتنياهو في الداخل الإسرائيلي، وتنفيذ ما وعد به من إحداث تغييرات جوهرية في الشرق الأوسط، وجذب دول الخليج ومصر إلى الاندماج في الخارطة القادمة.

ونستطيع أن نلخص الأهداف الأمريكية في ضرب الحوثيين في الآتي:

  • إجبار الحوثيين على وقف هجماتهم والقضاء على قدراتهم في هذا المجال، وإضعاف قوتهم بوصفهم أحد الأذرع الإيرانية في المنطقة.
  • الحفاظ على الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي في البحر الأحمر وباب المندب.
  • حماية المصالح الأمريكية والأوروبية في حرية التجارة عبر البحر الأحمر.

لكل ما سبق قد يزداد احتمال إجراء عمل عسكري دولي مساند لتحرك يمني على الأرض بالتنسيق مع السعودية ودول المنطقة يستهدف القضاء على الحوثيين.

 

2- أوروبا:

أوروبا بشكل عام متضررة اقتصاديا من عمليات الحوثيين في البحر الأحمر وإن تباينت الرؤى وفقا للمصالح بين بريطانيا وألمانيا وفرنسا. فالتجارة الأوروبية عبر البحر الأحمر في حدود ٣٠ ٪؜ من الصادرات الأوروبية و٤٠٪؜ من وارداتها.

 

3- روسيا والصين:

أنشأت الحكومة الصينية أول قاعدة بحرية لها على خليج تجرة في جيبوتي، في الضفة المقابلة لليمن. والصين لا ترغب في أن يكون لأمريكا نفوذ يهدد موقعها في الضفة الأخرى. ومن المتوقع أن الصين وروسيا لن يدعما أي عملية عسكرية ضد الحوثيين، وسيدعمان الحلول السلمية عبر الوسائل الدبلوماسية.

 

رابعا: السيناريوهات المستقبلية:

 

1- سيناريو استمرار الوضع الراهن:

ويشمل تكريس الانقسام والجمود السياسي والهدوء العسكري، وفيه تظل الأطراف المتنازعة متمترسة في مواقفها، وتستمر الفوضى بسبب غياب حكومة مركزية قوية.

 في ظل ضعف إرادة المجتمع الدولي وعدم وجود ضغط حقيقي على الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات فستزداد احتمالات تدهور الوضع في المناطق التي تعاني من نقص الغذاء، وستنتشر موجات التشدد بسبب الفراغ الأمني وغياب جهود إعادة الإعمار أو التنمية واستمرار الصراع ما يؤثر على الأمن الإقليمي.

 

2- سيناريو الحل العسكري:

 يتوقع المراقبون أن الحسم العسكري قد أصبح خيارًا راجحا لدى الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية بسبب ضعف إيران والحوثيين، مما يرجح القدرة على تحقيق نتائج سريعة وحسم عسكري، قد يؤدي إلى انهيار الحوثيين بشكل مفاجئ وسريع، مما يُمَكِّنْ الحكومة المعترف بها دوليًا من استعادة السيطرة على المناطق الرئيسية

وقد يفتح الحسم العسكري المجال لمفاوضات جدية، حيث ستكون الأطراف المنتصرة عسكريًا في موقف أقوى للتفاوض على شروط لتسوية تحفظ وحدة اليمن.

 

3-سيناريو التسوية السياسية:

ويتضمن الإجراءات التالية:

  • الوقف الفوري لإطلاق النار كخطوة أولى لإبداء حسن النية، مما يتيح المجال للمفاوضات.
  • المفاوضات الشاملة: وتشمل جميع الأطراف الفاعلة؛ الحكومة والحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي وشركائهم.
  • خطوات إعادة بناء الثقة: مثل تبادل الأسرى وتخفيف الحصار عن المناطق المتضررة، مما يساعد في خلق بيئة مواتية للتفاوض.
  • الإطار الزمني الواضح للمفاوضات والاتفاقات.
  • الدعم الدولي القوي للمساعدة في إعادة إعمار اليمن ودعم جهود السلام، بما في ذلك تقديم المساعدات الإنسانية.
  • تأسيس آليات لمراقبة تنفيذ الاتفاقات، لضمان التزام الأطراف به.

 

وخلاصة القول أن الحل السياسي في اليمن يتطلب جهودًا متضافرة من جميع الأطراف، مع دعم دولي وإقليمي قوي. رغم التحديات الكبيرة، فإن الفرص مازالت ممكنة لتحقيق سلام دائم إذا تم التعامل معها بشكل فعال.

شارك المقالة
مقالات مشابهة