
تشكلت حكومة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، في السودان في ظل صراع وأزمة سياسية ممتدة منذ نحو 27 شهرًا، أي منذ أبريل 2023. وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم غرب السودان، بعد أن استعاد الجيش السوداني العاصمة وأغلب المناطق الوسطى. ويكشف تشكيل الحكومة ومكوناتها ودوافعها عن مدى تعقيد المشهد السوداني والإقليمي، وعن دخول الصراع في مرحلة أكثر تعقيدًا سياسيًا.
في 26 يوليو 2025، أعلن حميدتي من مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور ــ أهم مناطق نفوذ قواته ومركز إدارته السياسية والعسكرية ــ ما أسماه بـ”السودان الجديد”. وبعد ذلك، أُعلن رسميًا عن تشكيل الحكومة مع أداء القسم الدستوري في 30 أغسطس 2025. هذه الحكومة جاءت بمنزلة إدارة موازية تتحدى سلطة الحكومة الرسمية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان والجيش. وقد تولى حميدتي رئاسة المجلس الرئاسي، فيما عُيّن عبد العزيز الحلو، زعيم الحركة الشعبية/شمال، نائبًا له، وهو أحد أبرز حلفاء الدعم السريع. كما جرى تعيين محمد حسن التعايشي من جنوب دارفور رئيسًا للوزراء. وتشكلت الحكومة الجديدة من مجلس رئاسي يضم 15 عضوًا برئاسة حميدتي.
يسعى حميدتي من خلال هذه الخطوة إلى الطعن في شرعية الحكومة المركزية، لكنه في الوقت ذاته يقر ضمنيًا بعجز قواته عن العودة إلى الخرطوم في المدى القريب أو المتوسط. الحكومة الموازية تعكس محاولة لتثبيت معادلة الصراع وتحويل الدعم السريع من قوة متمردة إلى سلطة أمر واقع، وهو ما يهدد بتفكيك مؤسسات الدولة المركزية. فبعد أن كانت قوات الدعم السريع تعمل تحت مظلة القوات المسلحة، ثم حُلّت رسميًا بعد تمردها، تأتي هذه الحكومة لتؤكد على تآكل الدولة المركزية.
وبذلك، يمكن القول إن السودان يقف أمام مفترق طرق؛ إما اتساع رقعة الحرب ودخولها مرحلة أكثر خشونة وربما إقليمية، أو تثبيت سلطة الأمر الواقع بعد حرب طويلة.
يحاول حميدتي أن يقدم نفسه وحلفاءه كإدارة علمانية بديلة عن التيار الإسلامي المتجذر داخل الجيش ومناطق الشمال والوسط والشرق، حيث يصف الجيش بـ”الحركة الإسلامية”. عبر هذه الخطوة يسعى حميدتي لإرسال رسالة إقليمية ودولية بغرض كسب شرعية سياسية، إلى جانب الدعم العسكري المستمر من الإمارات.
لكن الاتحاد الأفريقي أعلن رفضه للحكومة الجديدة، ودعا الدول الأفريقية لعدم الاعتراف بها، باعتبارها خطوة نحو تجزئة السودان. الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية من جهتهما ما تزالان تعترفان بالحكومة المركزية، فيما سارعت مصر إلى إعلان رفضها لحكومة حميدتي، حيث أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال لقائه بالسفير السوداني عمر صديق دعم مصر الكامل للخرطوم.
في المقابل، يظل احتمال اعتراف الإمارات قائمًا، خصوصًا بعد فشل جهودها في إدماج الجيش بالمفاوضات. وتتماهى هذه الخطوة مع استراتيجيتها في دعم كيانات شبه عسكرية في نزعات مناطقية، كما تفعل مع خليفة حفتر في ليبيا والمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن وإقليم أرض الصومال.
أما تشاد، الجار الغربي للسودان، فهي طرف إقليمي بالغ الأهمية. إذ ترتبط حكومة محمد ديبو بعلاقات قوية مع حميدتي وقواته، وتشكل قناة لوجستية وعسكرية حيوية ــ موثقة بتقارير مجلس الأمن في يناير 2024 ــ بفضل التنسيق مع الإمارات. هذا الدعم ساعد حميدتي في ترسيخ سيطرته على دارفور وإطلاق حكومته الموازية من نيالا. ومن المرجح أن تكون تشاد من أوائل الداعمين السياسيين المحتملين للحكومة الجديدة.
وتلعب إفريقيا الوسطى دورًا غير مباشر، عبر وجود مرتزقة مرتبطين بالدعم السريع وانطلاق إمدادات عسكرية من قواعد شمالها الشرقي، بدعم إماراتي. غير أن بانغي قد لا تصل إلى حد الاعتراف السياسي. في المقابل، قد يلجأ البرهان إلى دعم المتمردين التشاديين في شمال تشاد، بما يهدد استقرار نظام ديبو، خاصة في مثلث الحدود بين السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى، حيث تنشط جماعات مسلحة قابلة لتغيير ولائها.
كما يُرجح أن تحذو كينيا حذو الإمارات في الاعتراف بحكومة حميدتي، إذ تجمع الرئيس الكيني ويليام روتو علاقة وثيقة معه، بينما تتهم القوات المسلحة السودانية نيروبي بتقديم دعم مباشر للدعم السريع. وإلى جانب ذلك، توفر قوات حفتر في شرق ليبيا دعماً لوجستياً وعسكرياً لقوات حميدتي عبر جسر بري وجوي، في إطار شبكة التحالفات الإماراتية الإقليمية.
إعلان حميدتي عن حكومة موازية في دارفور يمثل محاولة لتقديم قوات الدعم السريع كبديل للجيش السوداني ضمن إطار “السودان الجديد” بمرجعية علمانية، سعياً لكسب شرعية دولية وإقليمية. إلا أن رفض الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والجامعة العربية ومصر يعكس خشية من أن يؤدي هذا المسار إلى تفكيك السودان.
مع ذلك، يبقى احتمال الاعتراف من الإمارات قائماً، انسجاماً مع نهجها الداعم للميليشيات الإقليمية. وتبرز تشاد كحليف رئيسي يوفر شبكات لوجستية واستخباراتية، بينما تلعب إفريقيا الوسطى دوراً غير مباشر، وتُعتبر كينيا داعماً محتملاً آخر. هذه التطورات تعزز مناخ الاستقطاب الإقليمي وترسخ ديناميكيات الانقسام، ما يرفع من مؤشرات عدم الاستقرار في السودان والمنطقة بأسرها.