حرب الطائرات المُسَيَّرَة: أداة حزب الله الاستراتيجية ضد إسرائيل

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
11/25/2024
شارك المقالة

ملخص

تستهدف هذه الورقة تحليل استخدام حزب الله للطائرات المُسَيَّرَة والتوسع فيها ضد إسرائيل، وأسباب تفوقها في اختراق مجالها الجوي، حتى وصل الأمر إلى السخرية من قدراتها الدفاعية. وقد خلصت الورقة إلى أن طرق استخدام الطائرات في الحرب يعتمد على ثلاث أساليب؛ الأول: الهجوم بأعداد كبيرة بشَكَّل أسراب نحو أهدفها، بحيث تضمن أن بعض المركبات في الأقل ستضرب الهدف بدقة، والأسلوب الثاني: هو تضليل منظومة الدفاع الإسرائيلية بوابل من الصواريخ لتعترضها منظومات الدفاع، في حين تتمكن طائراته المُسَيَّرَة في نفس الوقت من التسلسل لتحقيق أهدفها، أما الأسلوب الثالث: فيتمثل في استغلال مشاهد الطائرات المُسَيَّرَة في إحداث تأثير نفسي عند الشعب الإسرائيلي وعلى القيادات.

مقدمة

“خليكن تطلعوا لفوق[1]” هو عنوان المقطع الساخر لحزب الله من إسرائيل بسبب عدم قدرة دفاعاتهم الجوية على اعتراض المسيرات. فوفق وكالات الأنباء استطاعت الطائرات استهداف مناطق مختلفة للعدو، حتى أنها أصابت مكان إقامة رئيس الوزراء يوم  19 أكتوبر 2024، ووصلت في 13 نوفمبر لمقر وزارة الدفاع الإسرائيلية. ثمّ مع اغتال “محمد عفيف” المسؤول الإعلامي في الحزب هاجمت الطائرات يوم 18 نوفمبر أماكن حيوية للجيش الإسرائيلي. ومع ذلك توصف هذه الطائرات أنها قديمة الطراز، ولديها بصمة رادارية منخفضة للغاية، تجعل من الصعب على الدفاعات الصاروخية اكتشافها[2].

فما هي الطائرات المُسَيَّرَة التي تُشَكّل تهديدًا مباشرًا لمناطق حيوية ومواقع لقوات الجيش الإسرائيلي؟ وكيف استطاع حزب الله استخدامه كأداة استراتيجية مهمة في الحرب؟، ولماذا لا تستطع إسرائيل برغْم قدراتها العسكرية الكبيرة والدعم المستمر من الولايات المتحدة في القضاء عليها؟ وما هو شَكَّل المنطقة في ظل التوسع في استخدامها؟ كل تلك الأسئلة وما سواها تطرأ على ذهن الكثيرين، سنحاول في هذه الورقة أن نجيب عنها.

قدرات حزب الله من المسيرات.. تصل مداها لأبعد من إسرائيل:

يقول بيتر سينغر: “كانت الأنظمة الآلية مجرد خيال َّ علمي، ثم تطور الأمر لتصبح في أيدي جيوش الدول المتقدمة َّ فقط. أما الآن، فيمكن للجميع الحصولُ على واحدة، سواء كانت مجموعات غير دولية، مثل داعش وحزب الله أو أنت أو أنا”[3]، وحقيقة الأمر إن حزب الله من أول الجماعات المسلحة التي استخدمت للطائرات المُسَيَّرَة معتمدة على الطائرات الإيرانية لتطويرها، فقد كان أول ظهور للمسيرات من طراز “مرصاد 1” في نوفمبر من عام 2004، وهي النسخة المحدثة من طائرة “المهاجر” الإيرانية[4]، ثم تطورت قدرات الحزب ليكون لديه ترسانة حربية من الطائرات من دون طيار تصل ما بين 1000 إلى 2000 طائرة، جميعها تم تعديلها بمعرفته، مثل طائرات أحادية الاتجاه من طراز أبابيل ولا سيما أبابيل-t.

وتتمتع هذه الطائرات بخصائص مهمة لتنفيذ عمليات عسكرية سريعة بعيدة المدى، فمداها أطول بكثير من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات. وقد استخدامها الحزب في معظم عملياته على الحدود الإسرائيلية، وصولاً إلي قلب إسرائيل، حيث يمكن للطائرات من طراز “أبابيل” و”شاهد” الضرب على مسافة تزيد عن 100 كيلومتر. لذا لا داع للتعجب من مشاهدتها في أكثر من مرة تطير فوق البحر الأحمر، ويوضح الشَكَّل التالي النطاق التي تستطيع هذه الطائرات الوصول إليه.

الشكل (1)

Source: The Jewish institute for national security of America

وبفضل قدرة الحزب على تصنيعها محليًا، يمكنه تعديلها وتوفيرها بكميات كبيرة. كما تمتلك هذه المسيرات قدرات خاصة على التحرك في مسارات غير محددة للتغلب على الرادارات، مستغلة التضاريس الجبلية في جنوب لبنان والجليل لصعوبة، فضلاً عن القدرة على تغيير سرعتها، والتحليق على بعد راداري منخفض بالقرب من الأرض.

استخدام المسيرات رد فعل طبيعي على إسرائيل:

لولا توسيع إسرائيل لهجماتها لتمد لبنان، لما كان لحزب الله أن يوسع تحركاته وعمليات، إذ شملت الضربات الإسرائيلية كل لبنان وأجزاء من سوريا، كما هو موضح بالشكل (2). فبناءً على تحليل معظم رُدُود حزب الله في البداية نجد أنها كانت مركزة على قصف الأماكن الأشد اقتتالا داخل الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة ضمن قرار 1701 لعام 2006، ثم تطورت للوضع الحالي، إذ لم يكن لحزب الله خيارات أخرى إلا إحداث تغيير وتفوق ما “نوعي” للاستمرار المقاومة، بحيث يظل التصعيد في استخدام متوافق مع استراتيجية إسرائيل نحو الحرب الشاملة. 

شَكَّل (2)

Source: Center for Strategic & International Studies

اعتمد حزب الله على الطائرات المُسَيَّرَة لتنفيذ عملياته العسكرية؛ لتحقق أهداف لا يمكن للصواريخ البالستية طويلة المدي تحقيقها، فاستخدمت في بداية كأداة استطلاعية للوقف على وضع الهجمات بينها وبين إسرائيل وبين الأطراف الأخرى، ورسم خرائط دقيقة لمناطق الصراع، ثم مع التصعيد توسعت الهجمات لتصل إلى تل أبيب الكبرى، إذ تطور متوسط مدى عمق ضربات الحزب من نطاق 3 كيلو متر فقط في أغسطس من عام 2024، إلى 28 كيلو مترًا في سبتمبر من نفس العام، كما وصل عدد الطائرات، أكثر من  390 -حتى نهاية أكتوبر 2024- طائرة دون طيار وجهت نحو إسرائيل منذ بدء الحرب، ووصل عدد هذه الطائرات إلى 130 طائرة في يونيو الماضي، كما هو موضح في الشكل (3).

الجدير بالذكر أنه منذ عام 2001 -أي قبل اندلاع الحرب الحالية- كان مجموع الطائرات التي أُطلقت على إسرائيل نحو 19 طائرة فقط، وهنا يمكن ملاحظة الفارق في استراتيجية حزب الله في تعامله مع إسرائيل ومدى تطوره في استخدام المسيرات ضد إسرائيل.

شكل (3)

 

لماذا لم تستطع المنظومات الدفاعية اعتراض الطائرات المُسَيَّرَة؟

إلى جانب ما تم ذكره سابقًا من قدرة الطائرات المُسَيَّرَة على التخفّي من الرادارات الإسرائيلية والتحليق على ارتفاع منخفض، مع تغيير مساراتها بشَكَّل دقيق، فقد لوحظ أنها كانت تحلق بالقرب من الطائرات الإسرائيلية دون أن تُعترض، ثم تختفي بعد ذلك، مما يثير التساؤل: هل فعلاً تفتقر إسرائيل إلى القدرة على التصدي لها؟

الحقيقة أنه لدى إسرائيل منظومة دفاعات جوية مُتطورة تستطيع اعتراض الهجمات الصاروخية بأعداد كبيرة، ومشهد الهُجوم الأخير لإيران على إسرائيل في أول أكتوبر 2024 كان أبرز مثال على قدرتها على صد مُعظم الصواريخ الباليستية، فضلاً عن تواجد منظومة مُخصصة للطائرات دون طيران، ولكنها مُخصصة للطائرات من الجيل الجديد[5].

ويرى معظم المحللين الإسرائيليين أن الطائرات المُسَيَّرَة لحزب الله ما زالت بدائية جداً ولا تواكب التحديثات العالمية في السوق التكنولوجي، وتعود الى حقبة الحرب العالمية الثانية. وأنها استُخدمت في حرب عام 1973، في المقابل وظفت إسرائيل منظومة دفاعية مضادة للطائرات من رشاشات من نوع M61، لمواجهة الطائرات المصرية الحاملة مقذوفات KELT المتخفية عن الرادارات، لكن إسرائيل أخرجت هذه المنظومة من الخدمة منذ عقود، في ظل الحروب الحديثة في القرن الحادي والعشرين، وركزت بشَكَّل أكبر على الصواريخ التي تطير بسرعة فاقت سرعة الصوت والطائرات بلا طيار ذات المحركات النفاثة.

لذا كان على إسرائيل إعادة النظر في منظومتها الدفاعية للتعامل مع مثل هذه الطائرات، وبالفعل تحركت للتعاقد مع شركات عالمية ومحلية للاستثمار في اعتراض الطائرات المُسَيَّرَة لحزب الله، ودعمتها الولايات المتحدة بأحدث الطائرات المُضادة للطائرات من نوع Apache AH-64A التي لدها قدرات كبيرة على اعتراض الطائرات المُسَيَّرَة[6].

هل تستمر الطائرات في ضرب تل أبيب؟

إن طرق استخدام الطائرات في الحرب يعتمد على ثلاث أساليب؛ الأول: الهجوم بأعداد كبيرة بشَكَّل أسراب نحو أهدفها، بحيث تضمن أن بعض المركبات في الأقل ستضرب الهدف بدقة، وهو ما أكد عليه “يعقوب عميدرور” رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بقوله: “إن حزب الله قرر إحضار المزيد من الطائرات دون طيار لأنه يدرك أنه، حتى لو نجحنا في اعتراض 90% منها فإن الـ 10% الأخرى قد يكون لها تأثير كبير على إسرائيل.

الأسلوب الثاني: هو تضليل منظومة الدفاع الإسرائيلية بوابل من الصواريخ لتعترضها منظومات الدفاع، في حين تتمكن طائراته المُسَيَّرَة في نفس الوقت من التسلسل من الأسفل عبر مسارات منخفضة ومعقدة للغاية، لتحقيق أهدفها، والشاهد أن عمليات على عكا وحيفا ونهاريا الأخيرة كانت وفق هذا الأسلوب.

الأسلوب الثالث: يتمثل في استغلال مشاهد الطائرات المُسَيَّرَة في إحداث تأثير نفسي عند الشعب الإسرائيلي وعلى القيادات، فمهما كانت قدرة الطائرات على إحداث ضرر بأهدافها فإنها تظل محدودة التأثير المادي، لذا يراهن الحزب على المكاسب المعنوية، التي تتمثل في التأثير على نفسية الإسرائيليين وترهيبهم، بتغلبهم -أي الحزب- على أنظمة بلدهم الدفاعية، ما يجعلهم معرضين في أي وقت لهجمات مختلفة من المسيرات، وهذا هو الأهم من وجهة نظر الحزب.

وهو ما يتأكد مع وصف المحللين الإسرائيليين، أن الطائرات المُسَيَّرَة أصبحت عبئًا كبيرًا على أمن إسرائيل، وأن في كل مرة نجد حلاً للطائرات”، يجدون هم طريقة أخرى للهجوم بشَكَّل مختلف، وفي تغير نوعية المناورات.

ختامًا، ووفقًا للمعطيات السابقة يمكن رسم عدة سيناريوهات مستقبلية بشأن استخدام الطائرات المُسَيَّرَة من قِبل حزب الله؛

الأول يشير إلى استمرار الوضع الحالي كما هو عليه مع تطور الحزب في استخدام المسيرات، وتنويع الأساليب المستخدمة لتحقيق أهداف أكثر.

والسيناريو الثاني يعول على تطور أكبر لحزب الله في استخدامه للطائرات المُسَيَّرَة، متمكناً من زيادة أعدادها بطريقة متتالية، وبفضل الدعم المستمر المقدم من إيران، كذلك امتداد الصراع ليصل لعمق دول أخرى بفضل طول مدى الطائرات المُسَيَّرَة.

أما السيناريو الثالث فيفترض زيادة قدرة إسرائيل في تطوير منظومتها الدفاعية، والتصدي لمحاولات اختراق الدفاعات الجوية، بما يمكنها من عدم تعرض مواقعها الاستراتيجية للخطر، ومنه تستمر في توسيع عملياتها العسكرية بعد أن تحد من قدرات الحزب القتالية أو القضاء عليها تمام، لتعاود استخدام سياستها الاستيطانية مرة أخرى على الحدود مع لبنان.

ويظل المستقبل منفتحاً على أيًا من هذه السيناريوهات، فالحرب بين حزب الله وإسرائيل -كما أي حرب- سجال.

___________________________________________________________________________________

[1] “خليكن تطلعوا لفوق. «حزب الله» يسخر من الدفاعات الجوية الإسرائيلية”، بوابة أخبار اليوم، تاريخ النشر: 3 نوفمبر 2024، تاريخ النشر: 4 نوفمبر 2024، على الرابط: https://shorturl.at/Iq94v

[2]  Karra, Y., (2024). How Israel can combat the threat of Hezbollah drones – ISRAEL21c [online]. ISRAEL21c. [Viewed 9 November 2024]. Available from: https://www.israel21c.org/how-israel-can-combat-the-threat-of-hezbollah-drones/

[3] محمد منصور: الطائرات المُسَيَّرَة وجهة الحروب الجدية في المنطقة العربية، منتدى السياسات العربي، تاريخ النشر: 2020، ص 9.

[4]  المرجع السابق.

[5] Karra, Y., (2024). How Israel can combat the threat of Hezbollah drones – ISRAEL21c [online]. ISRAEL21c. [Viewed 9 November 2024]. Available from: https://www.israel21c.org/how-israel-can-combat-the-threat-of-hezbollah-drones/

[6] Ari Cicurel (2024), Hezbollah’s New Drone Threats to Israel, JINSA, [Viewed 9 November 2024]. Available from: https://tinyurl.com/48yr9xf7.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية