شهدت العاصمة الليبية الاثنين الماضي اشتباكات هي الأعنف منذ سنوات، اندلعت إثر اغتيال أحد أبرز قادة الميليشيات في المدينة. فقد أدى مقتل عبد الغني الككلي (المعروف بلقب “غنيوة”)، قائد جهاز دعم الاستقرار، إلى اندلاع مواجهات مسلحة عنيفة اجتاحت أنحاء العاصمة وخلفت ما لا يقل عن ستة قتلى في ليلة اندلاعها الأولى. وتمثل هذه التطورات أول صدام واسع النطاق في طرابلس منذ فترة من الهدوء النسبي أعقبت وقف إطلاق النار عام 2020، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن استقرار الأوضاع في غرب ليبيا ومستقبل التوازن السياسي الهش في البلاد. فما الدوافع وراء هذه الأحداث التي بدت مفاجئة؟ وما هي الأطراف الضالعة فيها؟ وهل يمكن أن تؤثر على توازن القوى غير المستقر في غرب ليبيا وفي ليبيا كلها؟
مسار الأحداث الأخيرة.. كيف بدأت الأزمة؟
بدأت شرارة القتال في طرابلس ليل الإثنين 12 مايو 2025 عندما أُعلن عن مقتل عبد الغني الككلي خلال اجتماع أمني كان منعقدًا في معسكر تكبالي جنوب شرقي العاصمة، وكان الككلي قد دُعي إليه بهدف تهدئة التوتر المتصاعد بين التشكيلات المسلحة، لكن الاجتماع ذاته تحول إلى فوضى دامية عندما تبادل حراس من جماعات متعارضة إطلاق النار خارج قاعة الاجتماع.
قُتل الككلي وعدد من مرافقيه في هذا الاشتباك المباغت، ما أثار حالة من الانفلات الأمني امتدت سريعًا إلى مناطق واسعة من طرابلس منذ مساء الإثنين وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. كان الككلي يشغل موقع قائد جهاز دعم الاستقرار، وهو ميليشيا قوية تتمركز في حي أبو سليم المكتظ بالسكان جنوب العاصمة. وهذا الجهاز تابع شكليًا للمجلس الرئاسي الليبي الذي انبثق عن التسوية السياسية عام 2021 برعاية الأمم المتحدة.
وعلى الفور بعد شيوع نبأ اغتياله، دعت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية (برئاسة عبد الحميد الدبيبة) المدنيين إلى لزوم منازلهم حفاظًا على سلامتهم، وأعلنت جامعة طرابلس تعليق الدراسة والامتحانات إلى أجل غير مسمى، وأُغلقت المدارس والمؤسسات العامة في المدينة، في حين أُعلنت حالة طوارئ طبية في المستشفيات لاستقبال الضحايا.
مع صبيحة الثلاثاء 13 مايو، كانت الاشتباكات قد هدأت مؤقتًا بعد سيطرة قوات تابعة لوزارة الدفاع على أبو سليم معقل جهاز الككلي، وأعلن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة أن العملية العسكرية في أبو سليم “أثبتت قدرة الدولة على حماية الوطن وصون كرامة المواطنين”، وقد تمكنت قوة اللواء 444 – وهي وحدة عسكرية رئيسية موالية للدبيبة – من اقتحام مقار جهاز دعم الاستقرار في أنحاء طرابلس والسيطرة عليها، واعتقال عشرات من عناصره خلال ساعات. كما بسطت قوات اللواء 444 وحلفاؤها سيطرتها على مواقع استراتيجية شملت ميناء طرابلس ومعسكرات ومقار أمنية حساسة مثل سجن الرويمي ومراكز جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث أفيد بهروب سجناء مستغلين فوضى القتال. وأظهرت مقاطع مصورة انتشار أرتال عسكرية قادمة من مدينة مصراتة وكتائب من الزنتان موالية لوزير الداخلية عماد الطرابلسي، وهي تتحرك باتجاه العاصمة لتعزيز قوات الحكومة. في المقابل، كما وردت تقارير عن تدخل مجموعات مسلحة من مدينة الزاوية دعماً لقوات جهاز الردع الخاص في طرابلس (التابع لتيار السلفية المدخلية)، ما وسّع نطاق المواجهات خارج حدود المدينة.
لاحقا؛ تجددت المعارك بشكل أعنف ليل الثلاثاء وصباح الأربعاء 14 مايو، خاصة بعد انخراط جهاز الردع بقيادة عبد الرؤوف كارة بشكل مباشر في القتال ضد اللواء 444 عند انهيار قوة جهاز الككلي. شهدت أحياء مكتظة مثل أبو سليم ومشروع الهضبة وسوق الجمعة تبادلاً كثيفًا لإطلاق النار والقذائف. ووُصفت المواجهات بأنها حرب شوارع نظراً لاستخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة في مناطق سكنية، الأمر الذي بث الذعر بين المدنيين. وتحدث سكان عن لحظات مرعبة اضطروا فيها لحبس عائلاتهم في غرف داخلية تجنبًا للشظايا الطائشة.
وبحلول ظهر الأربعاء، أعلنت وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار وبدء انتشار قوات أمنية “محايدة” في المناطق الحساسة لضبط الوضع ووقف تدهوره. وعلى الرغم من ذلك، أفاد شهود بأن أصوات إطلاق نار متقطعة استمرت في بعض الأحياء الغربية حتى بعد سريان الهدنة.
سياقات معقدة وأطراف متعددة.. من يسيطر على طرابلس؟
تنتمي هذه الاشتباكات لسياق طويل من الأحداث المعقدة شهدتها ليبيا، منذ انقسام البلاد سياسيا وعسكريا عام 2014 بين معسكرين شرقًا وغربًا، وبروز عشرات الميليشيات المحلية كأطراف فاعلة تملأ فراغ السلطة. ورغم توقف القتال الشامل عقب اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، فإن الجهود اللاحقة لتوحيد المؤسسات الأمنية وإجراء انتخابات وطنية تعثرت، مما أبقى على نفوذ التشكيلات المسلحة في الغرب وسمح لها بالتحالف أو التصادم دوريًا سعيًا للنفوذ والثروة.
في طرابلس ومحيطها الغربي، تقاسمت عدد من الميليشيات القوية السيطرة والنفوذ خلال السنوات الماضية تحت مظلة حكومة الوفاق الوطني السابقة ولاحقًا حكومة الوحدة الوطنية الحالية. كان عبد الغني الككلي واحدًا من أبرز أربعة قادة ميليشيات في العاصمة، إلى جانب كل من عبد الرؤوف كارة قائد جهاز الردع الخاص، ومحمود حمزة قائد اللواء 444، وعبد السلام زوبي قائد اللواء 111.
بدأ الككلي حياته مدنيًا قبل 2011، ثم أسس ميليشيا في حي أبو سليم عقب سقوط القذافي، اكتسب نفوذًا متعاظمًا خلال صراعات طرابلس اللاحقة، خاصة في عملية “فجر ليبيا” عام 2014 التي رسخت سيطرة تحالف ميليشيات الغرب، ثم جرى دمج مجموعته ضمن هياكل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق (2016). ومع مجيء حكومة الوفاق برئاسة السراج، تولى الككلي قيادة جهاز أمني رسمي هو جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي ابتداءً من 2021، ما أسبغ طابعًا رسميًا على قواته دون أن يلغي سيطرته الشخصية عليها. يسيطر جهاز دعم الاستقرار على أجزاء واسعة من طرابلس ومناطق محيطة بها، ويمتد نفوذه إلى مدن غربًا وشرقًا مثل غريان وزليتن. بل إن مقاتليه تسلموا مهام أمنية حساسة كإدارة سجون وتوفير حراسة لمنشآت حكومية ووزارات، ما جعل الككلي لاعبًا رئيسيًا في معادلة الأمن بالعاصمة.
في المقابل، يُعد جهاز الردع الخاص (قوة الردع) بقيادة عبد الرؤوف كارة القوة الرئيسية الأخرى في طرابلس التي ظلت مستقلة نسبيًا عن نفوذ حكومة الدبيبة. اشتهر جهاز الردع بتوجهاته ويدير سجنًا كبيرًا في قاعدة معيتيقة الجوية التي يتخذها مقرًا له يضم العديد من مقاتلي تنظيم الدولة (داعش). وعلى الرغم من تبعيته اسميًا لوزارة الداخلية، احتفظ كارة باستقلالية قرار كبيرة.
أما اللواء 444 قتال، واللواء 111 (كتيبة النواصي)، فهما قوتان رئيسيتان تتبعان رئاسة الأركان بحكومة الوحدة الوطنية.برز اللواء 444 تحت قيادة محمود حمزة باعتباره قوة منضبطة نسبياً تركز على تأمين جنوب طرابلس ومكافحة تهريب الوقود والبشر في مناطق أخرى، وقد حظي بدعم رسمي عززه ترقية قائده إلى رتبة لواء وتعيينه رئيسًا للاستخبارات العسكرية في مارس 2024. وكذلك اللواء 111 (النواصي) الذي يسيطر على أجزاء من وسط طرابلس، انضوى تحت وزارة الدفاع وبات مواليًا للدبيبة.
هذه الألوية وغيرها من الوحدات (مثل جهاز الدعم المركزي بقيادة حسين عطية المشهور بحسين الكوني، وقوة دعم الاستقرار الأخرى بقيادة عماد الطرابلسي قبل تعيينه وزيرًا للداخلية) شكّلت أساس قوة الحكومة في صد محاولات خصومها. على سبيل المثال، عندما حاول البرلمان الشرقي عام 2022 تنصيب حكومة موازية برئاسة فتحي باشاغا والتقدم نحو طرابلس بالقوة، توحدت معظم هذه الفصائل (بما فيها قوات غنيوة وكارة) في صف واحد دعماً لعبد الحميد الدبيبة، وتم إحباط محاولة الدخول بالقوة في أغسطس 2022. وهكذا ظل توازن القوى في طرابلس قائماً على تحالفات متغيرة بين زعماء الميليشيات تحت غطاء الحكومة، مع استمرار ولاءات وشبكات مصالح خاصة بكل منهم.
تعبر الاشتباكات الأخيرة عن انفجار التوتر الكامن بين هذه الأطراف. الككلي، رغم تحالفه الظاهر مع الدبيبة، كان يمتلك نفوذًا اقتصاديًا وأمنيًا كبيرًا جعل منه “الحاكم الفعلي لطرابلس” في قطاعات مهمة. كان رجال غنيوة يسيطرون على جهاز الأمن الداخلي ويوزعون الأموال العامة (منحه نقدية من المصرف المركزي) ويتحكمون في شركات ووزارات عديدة.
هذا النفوذ الواسع أثار حفيظة منافسين محليين وربما دوائر داخل السلطة رأت في سطوة الككلي عقبة أمام بسط سلطة الحكومة بشكل كامل. وفي الوقت ذاته، بدا جهاز الردع الخاص وكأنه أهم الحلقات المستقلة الأخيرة الخارجة عن عباءة الدبيبة بعد أن نجحت قوات الأخير في إقصاء ميليشيات بارزة أخرى خلال العامين الماضيين (منها ميليشيا النواصي التي أُضعفت وأُزيح قادتها). كل ذلك شكّل الخلفية التي سبقت اندلاع الصدام الدموي في مايو 2025، حيث تراكمت شكوك الدبيبة تجاه غنيوة وحلفائه من جهة، وكارة وقوات الردع من جهة مقابلة، في ظل سعي الدبيبة لترسيخ قبضته على العاصمة وتقليص أدوار مراكز القوى غير الخاضعة تماماً له.
دوافع التصعيد
وهكذا؛ يمكن إجمالا قراءة دوافع التصعيد الذي شهدته طرابلس في ثلاثة مستويات: الشرارة المباشرة، والأسباب المحلية الكامنة، والعوامل السياسية الأوسع. على المستوى المباشر، كان اغتيال عبد الغني الككلي بمثابة المفجّر الفوري لسلسلة الأحداث. تشير التقارير إلى أن الككلي قُتل رمياً بالرصاص خلال اجتماع أمني حضره قادة فصائل متنافسة بهدف نزع فتيل التوتر. هذا الاغتيال، سواء جاء نتيجة كمين مخطط أو اشتباك عفوي بين الحراس، أزال أحد أكبر اللاعبين من المشهد فجأة وخلق فراغًا سارع الآخرون لملئه بالقوة. وقد استغل اللواء 444 وحلفاؤه الفرصة ليجهزوا على قوات جهاز دعم الاستقرار ويفرضوا سيطرتهم على معاقله خلال ساعات، مما يوحي بأن عملية إضعاف غنيوة كانت جاهزة أو على الأقل مُنتظرة عند أول فرصة سانحة.
أما على المستوى المحلي والأمني، فإن التنافس على النفوذ داخل طرابلس شكّل الدافع الأبرز الكامن وراء التصعيد. لقد بدا أن حكومة الدبيبة عازمة على تفكيك المجموعات المسلحة “غير النظامية” وإخضاعها لسلطة الدولة، وهو ما أعلنه رئيس الحكومة صراحةً خلال الأحداث عندما أصدر أوامر بحل التشكيلات التي اعتبرها خارجة عن القانون، وعلى رأسها جهاز الردع الخاص. هذا التطور يعزز موقع الدبيبة بوصفه حاكما فعليا للغرب الليبي، خاصة بعد سلسلة محاولات فاشلة لإزاحته بالقوة خلال الأعوام الماضية.
في المقابل، تبدو دوافع جهاز الردع وحلفائه مرتبطة بمخاوف من تمدد نفوذ الدبيبة وحلفائه على حسابهم. فمع انهيار قوة غنيوة السريع، وجد عبد الرؤوف كارة نفسه وقواته أمام احتمال أن يكونوا الهدف التالي لحملة “تفكيك المليشيات”. وقد يكون جهاز الردع استبق الأمور إما بالتورط في عملية اغتيال الككلي – وفق ما ألمحت إليه مصادر حكومية اتهمت عناصر الردع ضمنيًا بذلك، أو على الأقل قرر خوض القتال بدل التسليم بتفكيكه.
وفي السياق السياسي الأوسع، يأتي التصعيد في طرابلس على خلفية انسداد أفق العملية السياسية الوطنية. تعتبر حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة جزءا من خارطة طريق أممية في 2021 كان يُفترض أن تقود البلاد إلى انتخابات عامة بنهاية ذلك العام. غير أن العملية الانتخابية انهارت، وتمسك الدبيبة بالسلطة رغم تجاوز ولايته الانتقالية، ما ولّد حالة من الفراغ الدستوري وضعف الشرعية في نظر خصومه.
المآلات المحتملة محليًا وإقليميًا
مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 14 مايو وعودة الهدوء الحذر إلى طرابلس، يُحتمل أن يؤدي انهيار جهاز دعم الاستقرار ومقتل قائده إلى إعادة رسم مشهد القوة في العاصمة، حيث تمكنت القوات الموالية لعبد الحميد الدبيبة – متمثلة باللواء 444 واللواء 111 ودعم من قوات مصراتة – من إحكام قبضتها على معظم المناطق التي كانت تحت سيطرة الككلي. وبات جهاز الردع الخاص بقيادة كارة آخر الفصائل الكبيرة خارج عباءة الدبيبة بعد هذه الأحداث.
وإذا نجحت المساعي الجارية في دمج أو تحييد جهاز الردع دون تجدد القتال، فقد تصبح طرابلس أكثر توحدًا تحت سلطة مركزية، بحيث تنخفض مستويات الاقتتال الداخلي بين الميليشيات. ويشبه هذا السيناريو ما حدث في شرق ليبيا حيث تمكن المشير خليفة حفتر على مدى سنوات من تصفية أو إخضاع جميع المجموعات المسلحة المنافسة وتركيز السلطة الأمنية في يد الجيش الوطني التابع له.
لكن من جهة أخرى؛ فإن استمرار جهاز الردع في التملص من سلطة الحكومة أو مقاومته لقرار حله قد يجدد المواجهات في أي لحظة إذا شعر كارة بأنه مستهدف وجوديًا. وحتى إن جرى احتواء الردع حاليًا عبر صفقة أو تهدئة، فقد يدفع تفكيك توازن القوى السابق ببعض العناصر المهزومة إلى التحالف سرًا مع أطراف معارضة لحكومة طرابلس أو القيام بأعمال تمردية لعرقلة سيطرة الدبيبة المطلقة. وليس مستبعدًا أن يبحث عبد الرؤوف كارة عن ملاذ سياسي أو دعم خارجي، رغم صعوبة تحالفه علنًا مع خصوم أيديولوجيين مثل حفتر. كذلك فإن تركّز السلطة في الغرب بيد الدبيبة وحلفائه قد يولّد احتقانًا شعبيًا إذا لم يقترن بخطوات جدية نحو إصلاحات وحوكمة رشيدة، خاصة أن حكومته متهمة شعبيا بالفساد وتعطيل الانتخابات. بعبارة أخرى، قد يحقق الدبيبة نصرًا عسكريًا قصير المدى على الميليشيات المنافسة، لكنه سيكون مطالبًا بتحويله إلى استقرار سياسي مستدام عبر استئناف عملية المصالحة والانتخابات، وإلا فإن دورة جديدة من العنف قد تنفجر مستقبلاً مهما تأخر ذلك.
على الصعيد الوطني الأوسع، من شأن ترسيخ نفوذ الدبيبة في طرابلس أن يعيد تشكيل معادلة الصراع بين الشرق والغرب في ليبيا. فمن الواضح أن رئيس حكومة الوحدة سيخرج من هذه الأحداث أقوى سياسيًا وعسكريًا داخل معسكر الغرب، ما قد يعزز موقفه في مواجهة خصومه في الشرق الذين يقودهم البرلمان في طبرق مدعومًا من الجيش الوطني بقيادة حفتر. فإذا نجح الدبيبة في “توحيد البندقية” بغرب ليبيا تحت قيادته، سيجد خصومه صعوبة أكبر في اختراق طرابلس من الداخل أو التعويل على انقساماتها كما حدث في محاولات سابقة.
إقليميًا، تحظى تطورات طرابلس باهتمام وثيق من الدول المنخرطة في الأزمة الليبية، مثل تركيا، الداعم الأبرز لحكومات غرب ليبيا، ترى في إحكام الأخير سيطرته على طرابلس تكريسًا لنجاح استراتيجيتها التي دعمت من خلالها سلطات الغرب عسكريًا منذ صد هجوم حفتر عام 2020 ومن شأن تعزيز قبضة الدبيبة أن يعزز نفوذ أنقرة الإقليمي في ليبيا، إذ سيكون لها حليف قوي يسيطر على العاصمة وأهم المؤسسات المالية (كالمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط. (في المقابل، قد يثير ذلك قلق الدول الداعمة للمعسكر الشرقي كمصر والإمارات، التي قد تنظر إلى صعود دبيبة كعقبة إضافية أمام طموحات حفتر أو نفوذها هي في ليبيا. وربما تدفع هذه المستجدات القاهرة وأبوظبي إلى تكثيف جهود الوساطة السياسية أو حتى زيادة دعمها لحفتر لتحسين موقعه التفاوضي مقابل حكومة طرابلس.
ختامًا، تكشف اشتباكات طرابلس الدامية في مايو 2025 عن منعطف جديد في مسار الأزمة الليبية. فقد أبرزت هشاشة الوضع الأمني حتى في معاقل السلطة المركزية، وأظهرت في الوقت نفسه أن ميزان القوة قابل للتغير سريعًا لصالح الطرف الأكثر تنظيمًا ودعمًا. وإذا كان الدبيبة قد خرج مبدئيًا ظافرًا بتثبيت نفوذه في العاصمة، فإن استقرار ليبيا على المدى البعيد ليس مضمونا بأي حال من الأحوال.
السيناريو |
محفزات وقوع السيناريو |
كوابح وقوع السيناريو |
سيناريو أ: ترسيخ سيطرة الدبيبة الكاملة على طرابلس | · تفكيك جهاز الردع بنجاح
· تعاون قوات الزنتان ومصراتة · انسحاب الردع دون مقاومة · وقف إطلاق النار وتوفر عناصر الدعم السياسي للحكومة
|
· وجود مصالح متقاطعة مع الردع
· احتمالات التوصل إلى صفقة استيعاب داخل الجهاز · استمرار بعض الجيوب الموالية للردع · حساسية الموازين الأمنية داخل طرابلس
|
سيناريو ب: تجدد الاشتباكات بين اللواء 444 وجهاز الردع | · رفض الردع قرارات الحل أو الدمج
· تحريض أطراف خاسرة على المواجهة · تصدع في قوات الدبيبة · استهداف قوات الردع وتضييق الخناق عليها
|
· ضغوط دولية قوية لعدم التصعيد
· توازن ردع متبادل يمنع الانفجار · سيطرة أمنية جزئية على مفاصل العاصمة · مبادرات وساطة داخلية فعالة
|
سيناريو ج: انهيار شامل في الوضع الأمني بطرابلس | · خروج الأمور عن السيطرة
· انشقاق داخل قوات وزارة الدفاع · دعم خفي لفصائل مسلحة من أطراف إقليمية · توتر اجتماعي متصاعد بسبب الخسائر والدمار
|
· هوزية القوات الحكومية واستعدادها المسبق
· رفض شعبي واسع للعودة إلى الاقتتال · غياب الحاضنة السياسية أو القبلية للفوضى · استمرار الدعم الدولي لحكومة طرابلس
|
سيناريو د: انخراط إقليمي مباشر لدعم أطراف النزاع | · خشية أوروبا من تفجر موجات هجرة جديدة
· ضغط أممي بعد وقف القتال · مبادرة تركية أو مصرية لإطلاق حوار · دعوات داخلية لاستئناف المسار الدستوري والانتخابي
|
· عدم استعداد الأطراف الليبية للتنازل
· فقدان الثقة الكامل بين معسكري الغرب والشرق · غياب ضمانات دولية حقيقية · إرهاق سياسي داخلي ورفض جماهيري متصاعد لأي حلول ترقيعية
|