ترمب وإعلان إسرائيل الكبرى!

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
02/21/2025
شارك المقالة

  

     هناك مساحة كبيرة من اللغة الحمقاء للرئيس الأمريكي العائد حديثاً، دونالد ترمب، فجّرت المياه الراكدة ولم تحركها فقط، وهذه المرة في مواقف الحكومات العربية التي تُصنّف حليفا استراتيجيا لواشنطن، وحليفا للمشروع الدولي معها لحل الدولتين، لكن المشكلة العميقة هنا، أنّ من قلب الطاولة هو راعي الحل (التاريخي ذاته)، فهل ترمب أحمق؟

 

      إن سلوك الرئيس الأمريكي يعتمد على نرجسيته الضخمة، والتي أغراها البساط الأحمر، الذي اجتاح أمريكا في تصويت عقابي جماعي للحزب الديمقراطي وممثله في البيت الأبيض، الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، وهو ذات الرئيس الذي أعلن شخصه كادراً صهيونياً، وان أمته أمة صهيونية، فما الجديد في شأن ترمب، الجديد هو لغة الخطاب والمصارحة المتطرفة، التي كان لا بد للعرب من أن يستمعوها، والأهم هنا الحكومات العربية ذات الشأن.

 

      وقد يُنظر إلى أن مشروع الدولتين، الذي لم يَبق له أساس، إلا تشجيع السلطة على عمليات المطاردة الأمنية، مقابل ما يُسمح من استعادته، من أموال الشعب الفلسطيني لحكومة رام الله وسلطة الرئيس أبو مازن الهشة، فيقال أن هذه المزارع المعزولة والمقطعة، في الضفة الغربية ذاتها، هي قاعدة الدولة الأخرى التي وعدت بها واشنطن، منذ مؤتمر مدريد، وهشمها وسرقها الحكم الإسرائيلي مراراً، وكلما أحدث جريمة، هدد هو (أي الكيان الصهيوني) بإسقاط السلطة.

 

      هذا هو مشروع الدولتين للحزب الديمقراطي، والجمهوريين اللذين رعوه من بعد أوسلو، وكان ينحدر ويُهدم، ولم يتقدم خطوة، وتتالت خلاله عمليات التجريف والاعتقال والاستيطان الإبادي المسلح، ومع ذالك ظلت الأنظمة العربية تتمسك به، دون أن تبدي تطويراً لخطاب بديل، يطرح التهديد المباشر بحل آخر، وهو الدولة الواحدة التي تحسم هويتها عبر سكانها الأصليين المرابطين، والمهجّرين الفلسطينيين، حتى مع تصويت الكتلة الإسرائيلية، ومع أن هذا حل يمثل نموذج معالجات ديمقراطية، يروج لها الغرب في مناطق أخرى، لكنه كان مهمشاً في اللسان العربي، وهو مرعب للكيان وحلفائه الوجوديين.

 

      إذن ما قبل ترمب الأخير لم يكن هناك مشروعاً فاعلاً، ولم توجد أي آليات ضغط، وكان نتانياهو هو من يوبخ ضمنياً بايدن، وقد خضع لترمب في صفقات تبادل الأسرى ووقف العدوان في المرحلة الأولى، ثم عاد وشاركه قصة اعلان بيع غزة، بعد هولوكوست المذبح الكبير فيها، أما ترويج غزة أرضاَ مشاعة، معروضة للاستثمار، فهي اللغة السفيهة من ترمب في التعبير عنها بفظاظة في خطابه، لكنها مطوية قديمة بيمين الغرب ويساره، يُشاغَل عنها العرب بعبارات سوق أوسلو.

 

      وذات النظرية الغربية، لإحلال اليهود، من ضحايا النازية المسيحية المتطرفة، ومن غيرهم، والتهيئة لعصابات الهاغانا في جرائم الحرب المتتالية، كان تحت أعين هذا الغرب، ولذلك رأى ترمب ألا حاجة للمراوغة، باعتبار أن القاعدة واحدة بين المشروعين، الصهيوني والمركزية الغربية.

 

      الجديد هنا نموذج الاستثمار الاقتصادي المتوحش، الذي اغراه، حجم الذبح في شعب غزة فقرر أن يُرحّل بقيتهم، أما العمق الآخر فهو فكرة المسيحية الصهيونية، التي ترى في صعود المشروع الصهيوني ممهدٌ لعهد إنجيلي، يسمو على الأرض، ولا بأس أن يُنحل الإلهام الإبادي زوراً على السيد المسيح، وأن تعود راية الصليب المعكوف لكن لجهة ترمب وليس هتلر هذه المرة.

 

      نحن أمام تاريخ جديد تتناوله هذه الورقة، بحسب معطيات على الأرض، وليس توصيفات عاطفية، فهذه المنهجية لدحرجة بيع غزة، تطرح بديلاً استئصالياً يُضم لصالح تل ابيب، حتى لو سُميّ مشروع دولي، في نهاية الأمر يُحضّر للخطوة الأخرى الكبرى، وهي الإعلان عن حاجة إسرائيل لضم أراض أخرى، ربما كان هذا الأمر مفيداً لصالح إنذار الحكومات العربية، بأن المضي مع ترمب ونتانياهو، والمنظومة الصهيونية، يطوي في مصر والأردن والشمال السعودي.

ليعود السؤال من جديد ما الحل وكيف يوقف هذا المشروع؟

 

      إن ردود الأفعال حسب ما أُعلنت تمثل حالة إيجابية، حيث كان الأردن متوتراً، باعتباره الخيار الهش، لأنه كان يُصنف إسرائيلياً بأنه الوطن البديل، للشعب الفلسطيني، رغم كل العلاقات القديمة بين عمّان وتل أبيب، حتى توقيع اتفاق وادي عربة، ففي نهاية الأمر جغرافيا الأردن في المشروع المركزي الإسرائيلي، هي مستودع للتهجير، وما صرح به ترمب يأتي ضمن الخطاب المروج قديماً.

 

 في مصر رفض النظام، وحُركّت تجمعات شعبية تهتف ضد ترمب، لكن رد الفعل كان ضعيفاً، ربما كان موقف الرياض الأكثر لفتاً للانتباه، في تحوله الى مواجهة صريحة مع نتانياهو، حتى أن قناة العربية اتخذت موقفاً مختلفاً، لصالح غزة، لم يكن يُعرض بهذه اللغة من عقود.

 

 هذا المشهد يُذكّر بكلمة قديمة لأمير دولة قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في عدوان 2008-2009، حين كان الموقف من قمة غزة ودعم صمودها، سلبياً وشرساً من جامعة الدول العربية، تجاه غزة وضد مقاومتها، ووصف الأمير احباطه من ذالك بقوله، حسبنا الله ونعم الوكيل، كلما اردنا حشداً لتجتمع خيمة العرب في قمة غزة، هُدم أحد أركانها من جديد.

 

      اليوم ثلاث دول عربية أضحت امام مشروع الزحف الكبير، والتهيئة له عملياً، وبالتالي فإن غزة وشعبها ومقاومتها، مثلوا هذا الترس الموصول بكل مناطق فلسطين، وهذا لا يعني أن يستمر الشعب في مقاومة المشروع الصهيوني، بلا حدود لضبط المعركة وموازينها، لكن الركن الكبير، هو بروز خسارة العرب الاستراتيجية، في خذلان غزة وفي حصارها، وفي القائها في وحدة الساحات الإيراني، ليُنفّذ على شعبها أكبر إبادة في تاريخ فلسطين، ومع ذالك صمد الشعب وصمدت مقاومته.

 

      وهذا يفتح باباً مهماً، للدور السعودي سواء في دعم مفاوضات الدوحة، واسناد قطر لصالح وقف دائم للعدوان، أو في المضي نحو تأمين نوعي لشعب غزة، وفي الدخول القوي، لصالح اتفاق هدنة طويلة المدى، يقتضي الاعتراف بالمقاومة الفلسطينية، كطرف أساسي وليس بالضرورة الاتفاق مع فكر حركة حماس.

 

إن وحدة البيت العربي النسبية، لمواجهة مشروع ترمب المُهيّء لإسرائيل الكبرى، يملك أدوات قوة لكسر جموحه، وتغيير توجهات (شيلوك الأمريكي) بحيث يبحث عن مصالحه في توجه مختلف، يُلزم القوة الصهيونية بعدم تكرار العدوان، في اتفاق طويل المدى، حتى لو خرقه الصهاينة، فإن توازن الردع الدبلوماسي، والرد على الأرض، يخضع لميزان مقبول، وهذا لا بد له من جسر فعال بين حماس والرياض، لو قررت الحكومات العربية، بذل ما تستطيعه لكسر الجموح الغربي الصهيوني.

 

      إن التقارب الأخير بين أنقرة والرياض، يعزز أيضا استثمار موقف أنقرة لدعم العرب في هذه المواجهة، فهي ذات مصلحة أيضاً في وقف السيناريو الإسرائيلي، وليس الأمر حديث عواطف وأماني، لكن نجاح المركزية الغربية والأيدلوجية الصهيونية، في تصفية غزة، تعني أن تَسكب دول المنطقة الماء على لحيتها، قبل أن يأتيها الدور الحتمي.

 

شارك المقالة
مقالات مشابهة