تايمز أوف اسرائيل: لن يحدث التطبيع بين إسرائيل والسعودية.. وهذه هي الأسباب

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
04/22/2025
شارك المقالة

المصدر: تايمز أوف إسرائيل

 

في الأشهر التي سبقت السابع من أكتوبر، كان يُتوقع على نطاق واسع أن يكون التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية تحولًا جيوسياسيًا كبيرًا. فقد وعد بإعادة تعريف موازين القوى في الشرق الأوسط، عبر مواءمة المصالح الاستراتيجية وفتح آفاق اقتصادية كبرى. وبقيادة الدبلوماسية الأميركية، بدا أن الاتفاق وشيك.

 

لكن التصعيد العنيف في السابع من أكتوبر والحرب اللاحقة في غزة غيرا هذا المسار بشكل جذري. لقد تبدلت المعادلة السياسية في كلا البلدين، وتراجعت الزخم الذي كان يدفع نحو التطبيع بشكل ملحوظ.

 

في حين يرى بعض المحللين أن الحرب لم تُنهِ فرص التطبيع بل أجلته، وأن المصالح الاستراتيجية ستعود لتتقدم، إلا أن هذا الطرح يقلل من حجم التغير العميق في المشهدين الإقليمي والداخلي. وبرأيي، فإن التطبيع قد خرج من حسابات المستقبل المنظور. هناك أربعة عوامل مترابطة تجعل هذا الاتفاق أقل احتمالًا بكثير الآن.

 

تغير الحسابات الاستراتيجية: تراجع حاجة السعودية لمواجهة إيران

 

منذ 7 أكتوبر، لاحظت السعودية تراجعًا ملحوظًا في النفوذ الإقليمي لإيران. فشبكة وكلاء طهران باتت تحت ضغط هائل، مما خفّض الحاجة السعودية للتقارب مع إسرائيل.

 

فقد تضررت حماس بشدة من الرد العسكري الإسرائيلي – حيث استهدفت قيادتها، ودُمرت شبكة أنفاقها وبنيتها التسليحية، وتراجعت قدراتها التشغيلية. هذه الحركة، التي كانت أحد أبرز وكلاء إيران، أصبحت الآن قوة ضعيفة.

 

كما دفع حزب الله ثمنًا باهظًا بعد الاشتباكات الطويلة على الحدود الشمالية لإسرائيل. فقد قُتل عدد من قادته البارزين، وتضررت ترسانته بشكل كبير بفعل الضربات الإسرائيلية. وتم دفعه في نهاية المطاف نحو وقف إطلاق نار وانسحاب جزئي، مما أضعف قدرته على الردع.

 

أما في سوريا، فقد شكّل سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024 ضربة قاسية لإيران. فكانت سوريا تمثل ممرًا لوجستيًا لحزب الله؛ ومع رحيل الأسد، انهار ذلك الجسر.

 

وفي اليمن، تراجعت طهران عن دعم الحوثيين. أما في العراق، فالميليشيات الموالية لها تواجه قيودًا متزايدة. وفي أنحاء المنطقة، فإن شبكة وكلاء إيران تعاني من التشرذم والتراجع.

 

وبالتالي، ترى الرياض أن الحاجة الاستراتيجية للاستعجال في التطبيع مع إسرائيل لم تعد ملحة. ومع وضع إيران في موقع دفاعي، تختار السعودية الحذر والمرونة بدلًا من التسرع. وقد عبّر عن هذا التحول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” بالرياض، قائلًا: “التطبيع مع إسرائيل ليس فقط في خطر – بل خرج من الطاولة إلى أن يتم التوصل إلى حل لقضية الدولة الفلسطينية”.

 

تصاعد الغضب الشعبي في السعودية

 

الرأي العام المحلي في السعودية يمثل عقبة كبيرة أمام التطبيع. فالسكان المرتبطون رقميًا – وخاصة الجيل الشاب – منخرطون بشكل كبير في متابعة أحداث غزة. وقد انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي صور مروعة وروايات مشحونة بالعاطفة، ما أشعل الغضب الشعبي والتضامن مع الفلسطينيين.

 

وقد أدان مؤثرون وصحفيون ونشطاء سعوديون بارزون العمليات العسكرية الإسرائيلية، بلغة شخصية وأخلاقية حادة. وقد ولّد هذا ضغطًا اجتماعيًا هائلًا على الحكومة لاتخاذ موقف صارم، ولرفض أي خطوة دبلوماسية يُنظر إليها على أنها تقارب مع إسرائيل.

 

ولي العهد محمد بن سلمان، رغم اعتباره مصلحًا جريئًا، أظهر حرصًا في التعامل مع مشاعر الرأي العام. فمشروعه الطموح “رؤية 2030” يعتمد بشكل كبير على الاستقرار الاجتماعي وثقة المواطنين. وفي هذا السياق، فإن التطبيع – خصوصًا وسط استمرار العنف – قد يبدو منفصلًا عن الواقع الشعبي.

 

وفي ظل هذه الظروف المشحونة، قد يُنظر إلى أي اتفاق رمزي على أنه خيانة للقضية الفلسطينية، مما قد يقوّض الزخم الإصلاحي لولي العهد ويضعف شرعيته لدى قطاعات أساسية من المجتمع. وفي أسوأ الأحوال، قد يُشعل ذلك اضطرابات أو ردود فعل غاضبة من شرائح محافظة أو ناشطة.

 

ونتيجة لذلك، ارتفعت الكلفة السياسية للتطبيع بشكل حاد. وحتى يهدأ الغضب الشعبي أو يتغير الخطاب الإقليمي، من المرجح أن ترى القيادة السعودية في التقارب مع إسرائيل مخاطرة سياسية داخلية.

 

ضعف المرونة الدبلوماسية الإسرائيلية

 

أصبحت البيئة السياسية الداخلية في إسرائيل أكثر تصلبًا منذ 7 أكتوبر. ففيما كانت الحكومات اليمينية قبل الحرب تبدي أحيانًا انفتاحًا رمزيًا على حل الدولتين كوسيلة لتسهيل التطبيع مع السعودية، فإن أولويات الدولة تحوّلت الآن نحو الأمن والتماسك الداخلي.

 

لقد فجّر هجوم حماس صدمة عميقة لدى المجتمع الإسرائيلي، وأثار إدراكًا لفشل استخباراتي وعسكري، مما أدى إلى تصاعد الغضب الشعبي واستقطاب سياسي واسع، وانعدام الثقة في الضغوط الدبلوماسية الخارجية. ونتيجة لذلك، تقلّصت مساحة التسوية بشكل كبير.

 

وأي تنازلات إسرائيلية مرتبطة بالتطبيع – خصوصًا بشأن القضية الفلسطينية – باتت محفوفة بالمخاطر وقد تستفز ردود فعل عنيفة من اليمين السياسي والجمهور المتأثر بالصدمة. حتى القادة المعتدلون أصبحوا مقيّدين، يخشون الظهور بمظهر الضعف أو الانفصال عن المزاج الشعبي.

 

وفي هذا المناخ، يركز صناع القرار الإسرائيليون على تعزيز الاستقرار الداخلي والردع. وهذا يحد كثيرًا من قدرة إسرائيل على تقديم عروض ذات مصداقية للسعودية مقابل التطبيع، خاصة في المدى القريب.

 

عودة السعودية لقيادة ملف القضية الفلسطينية

 

العامل الأخير، والذي بات يكتسب أهمية متزايدة، هو إعادة السعودية تأكيد قيادتها التقليدية في ملف القضية الفلسطينية. فقد ارتبطت هذه القيادة تاريخيًا بالملك فيصل والموقف العربي بعد نكسة 1967. إلا أن هذا الدور تراجع في السنوات الأخيرة لصالح قوى إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا.

 

لكن الإحباط العربي من الدعم الإيراني الشكلي، وفشل طهران في تحقيق نتائج ملموسة للفلسطينيين، خلق فراغًا. وبالمثل، لم تتحول الضجة الرمزية التي تثيرها تركيا إلى تأثير دبلوماسي مستدام. وهذا فتح مجالًا استراتيجيًا أمام الرياض للعودة كصوت عربي رئيسي يدافع عن حقوق الفلسطينيين.

 

ومن خلال التركيز على شرعيتها التاريخية وسلطتها الأخلاقية، تسعى السعودية لتعزيز نفوذها الإقليمي، لا سيما بين الشعوب العربية التي سئمت من مراكز القوى الأخرى. ويتماشى هذا التوجه مع هدف أوسع للرياض يتمثل في صياغة نظام ما بعد الحرب في الشرق الأوسط وفقًا لرؤيتها، بدلًا من ترك هذه المهمة للآخرين.

 

إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في هذه المرحلة سيقوّض هذه الجهود. بل سيمنح خصومًا مثل تركيا فرصة لاتهام السعودية بالتخلي عن القضية الفلسطينية مقابل مصالح جيوسياسية. وبدلاً من ذلك، تختار الرياض الآن الأولوية للمصداقية طويلة الأمد، والقيادة الإقليمية، والصبر الاستراتيجي، على حساب اختراقات دبلوماسية سريعة.

 

الخلاصة: من الزخم إلى الجمود، في الوقت الحالي

 

تشير هذه العوامل الأربعة المتداخلة إلى مدى التغير الكبير في الحسابات الجيوسياسية منذ 7 أكتوبر. فما كان يبدو قبل أشهر اختراقًا دبلوماسيًا وشيكًا بين إسرائيل والسعودية، يبدو الآن أكثر بُعدًا عن الواقع.

 

ومع أن التطبيع فقد زخمه على المدى القصير، فإنه لم يُلغَ تمامًا. فالمصالح الاستراتيجية غالبًا ما تعود للواجهة مع الوقت، خصوصًا في منطقة ديناميكية كمنطقة الشرق الأوسط. فالهواجس الأمنية المشتركة، وتطلعات التنويع الاقتصادي، والتقارب مع واشنطن، لن تختفي بالكامل.

 

وفي المدى الطويل، قد تؤدي تحولات في المشهد الإقليمي أو أولويات القيادات إلى إعادة فتح باب الانخراط. لكن أي جهود تطبيع مستقبلية ستكون مختلفة تمامًا: أكثر مشروطة، وأكثر تدريجية، وأكثر حساسية للرأي العام وصورة المنطقة.

 

أما في الوقت الحاضر، فقد تجاوزت التطورات السياسية الراهنة فكرة التطبيع. ومع ذلك، فإن عودته في المستقبل لا تزال ممكنة – بشرط أن تكون المنطقة قادرة على استيعاب، والتعافي من، والتكيف مع الصدمات العميقة التي تمر بها الآن.

 

شارك المقالة
مقالات مشابهة