الحرب السودانية تصل بورتسودان: معالم مرحلة جديدة من عمر الحرب

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
05/08/2025
شارك المقالة

تعرضت مدينة بورتسودان، مقر القوات المسلحة السودانية، لهجمات متعددة بطائرات مسيرة نُسبت إلى قوات الدعم السريع شبه العسكرية، والتي لم تُعلن مسؤوليتها عن الهجمات بعد، وفقًا لما أوردته وكالة رويترز في 6 مايو. استهدفت هجمات الطائرات المسيرة بورتسودان لمدة ثلاثة أيام وأصابت مستودعات الوقود، ومحطة الكهرباء الرئيسية في المدينة (مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء المدينة)، وتوقف مطار بورتسودان الدولي، وفندقًا بالقرب من المباني الحكومية.

تُمثل هذه الهجمات أولى هجمات قوات الدعم السريع على بورتسودان، مما يشير إلى تعزيز ملحوظ في القدرات الجوية لقوات الدعم السريع، والتي يُرجح أنها مدعومة من الإمارات. وهو يعتبر تطور كبير في مسار الحرب السوداني، ويحمل رسالة تهديد مباشرة للقيادة العسكرية السودانية.

علي وقع تقدم الجيش في الخرطوم

 

منذ مطلع عام 2025، حققت القوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها مكاسب كبيرة ضد قوات الدعم السريع، حيث يتنافس الفصيلان على السيطرة على البلاد. وبحلول أواخر مارس، استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم، واستعادت القصر الرئاسي السوداني وطهرت معظم المدينة من مقاتلي قوات الدعم السريع. ومع ذلك، من غير المرجح أن تهزم القوات المسلحة السودانية قوات الدعم السريع بشكل مباشر، حيث لا تزال الميليشيا تحافظ على سيطرة قوية على ما يقرب من ربع مساحة السودان وعلى وجه الخصوص  في الأجزاء الغربية. كما أنه من غير المرجح أن تستطيع قوات الدعم السريع استعادة الخرطوم والأرضي التي فقدتها في الأقاليم الشرقية والشمالية والوسطى.

ويتركز الصراع الآن حول إقليم دارفور الذي يمتد على مساحات شاسعة من غرب وجنوب غرب السودان.

وعلى الرغم من صعوبة حسم الحرب في الإقليم على نحو سريع لأسباب لوجيستية وحدود كبيرة وممتدة مع ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، إلا أن الجيش يحاول حسم القتال حول مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور المحاصرة منذ بداية الحرب، والمعقل الأخير  المتبقي للقوات المسلحة السودانية في غرب السودان.

تعتبر مدينة الفاشر نقطة التحول الثانية في مسار الحرب، فسيطرة الجيش السوداني عليها وكسر الحصار المفروض عليها إن حدث سيهدد بوقف خطوط الإمدادات من جنوب ليبيا وأجزاء من حدود تشاد وسيجعل قوات التدخل السريع محصورة في جنوب ووسط دارفور.

وقد دفعت الحرب إلى بناء تحالفات محلية مع الفصائل العسكرية القديمة وعدد من المجموعات المسلحة القبلية، وألقت بثقلها إما مع القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع. حيث دخل كل من (جيش تحرير السودان) و(حركة العدل والمساواة)  في تحالف مع الجيش السودان، وتتمركز كلا المجموعتين في إقليم دارفور، وفي المقابل تحالفت (الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال) مع قوات الدعم السريع.

دلالات قصف بورتسودان

 

ومن زاوية لوجيستية تعتبر الضربات جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض خطوط إمداد القوات المسلحة السودانية وقدرتها العملياتية بعد تقدم الجيش السوداني في الخرطوم وضواحيها أو استعادته لها في مارس الماضي، وانهيار قوات التدخل السريع. كما أن تلك الضربات تهدف إلى إبطاء تقدم الجيش السوداني في إقليم دارفور خاصة في ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر.  لذلك من المرجح أن تكثف قوات الدعم السريع هجماتها في معاقل وتمركزات قوات الجيش في بورتسودان وفي جميع أنحاء شمال وغرب السودان لوقف تقدمه في شمال دارفور وتشتيت قوته.

قد تدفع تطور  الحرب في دارفور إلى تعزيز تشاد التعاون مع قوات الدعم السريع لاحتمالية امتداد الحرب إلى الداخل في تشاد. وسبق أن حذّر نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول ياسر العطا، من أن مطاري نجامينا وأم جرس في تشاد هدفان عسكريان مشروعان. ومع تقدّمها غربًا، ستزداد احتمالية قيام القوات المسلحة السودانية بضرب مواقع عسكرية في تشاد للحدّ من عمليات نقل الأسلحة إلى قوات الدعم السريع.

من زاوية أخرى فإن المعارضين لحكم الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي بدأوا في الدخول في تحالفات مع الجيش السوداني، وفي مقدمتهم عثمان ديلو جيرو، شقيق يحيى ديلو، خصم ديبي، الذي قتلته أجهزة الأمن التشادية في فبراير 2024.  وينتمي عثمان إلى قبيلة الزغاوة التشادية، ويعيش الزغاوة على الحدود السودانية التشادية وتتمركز في الشمال الشرقي من تشاد، ويرجح أنه انضم نحو 3 آلاف مقاتل زغاوي تشادي إلى القوات المسلحة السودانية والفصائل التابعة لها خشية أن تهاجمهم قوات الدعم السريع.

وقد أثار هذا الأمر حفيظة شخصيات تشادية بارزة وبعض الجنرالات في الجيش من قبيلة الزغاوة، الذين ينتقدون الرئيس التشادي ديبي لتحالفه مع أبو ظبي وتورطه الفعلي في الحرب في السودان.

ويمكن أن تشجع قيادة الجيش السوداني تلك المجموعات وتسلحهم لعمل عمليات في الداخل التشادي بهدف تعطيل خطوط إمداد قوات الدعم السريع. وهو ما سيجعل الرئيس التشادي أمام خيارين إما التوقف عن دعم قوات التدخل السريع أو الانخراط بشكل أكبر في دعمها. أي أن تشاد أمام مسارين إما إقحام الاستقرار الداخلي في تشاد في معادلة الحرب السودانية، أو الرجوع إلى مسار الحياد.

الدعم الإمارتي المفتوح

 

من زاوية أخرى كشف موقع انتلجنس أولاين أفريقيا سعي الإمارات إلى بناء طرق إمداد للأسلحة في الجنوب الغربي مع حدود أفريقيا الوسطى، وهو ما يعتبر مؤشرا على استمرار الحرب وتطورها لا توقفها. كما أن الإمارات تخشى من توقف دعم تشاد لقوات الدعم السريع إذا وقعت أحداث في الداخل، مما سينعكس سلبا على قوات التدخل السريع ويجعلها تخسر العديد من المدن في السودان.

وتُولي الإمارات اهتمامًا بشمال جمهورية أفريقيا الوسطى، وتحديدًا بمنطقة فاكاغا على الحدود مع تشاد والسودان حيث تُجري قوات الدعم السريع عمليات متقطعة على مدار العامين الماضيين. وفي عاصمة مقاطعة بيراو، تُجري مفاوضات بشأن الوصول إلى مطار صغير لتعزيز انتشار لوجستياتها العسكرية على الجبهة السودانية. وقد أشار موقع انتلجنس أولاين أنه يجري العمل لتمكين الطائرات الصغيرة من الهبوط في الموقع منذ عدة أسابيع، ويسيطر أفراد من شركة “فاغنر” شبه العسكرية الروسية على بعض من أجزاء المطار. وتنظر الإمارات إلى ذلك الموقع من منظور استراتيجي حيث سيساهم في تنويع حضورهم في المنطقة وتقليل اعتمادهم على مطار أم جرس، الذي يسيطرون عليه في شمال شرق تشاد.

من جهة أخرى قد تدفع تلك الضربات إلى عزم الجيش السوداني على تطوير أنظمة دفاعه الجوي وعلى وجه الخصوص من روسيا أو إيران أو الصين. والأهم من ذلك، أن هذه الهجمات تُهدد مكانة بورتسودان كمركز لوجستي إنساني رئيسي، مما يُهدد بتعطيلات كبيرة في إيصال المساعدات وتفاقم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد.

شارك المقالة
مقالات مشابهة