إدارة بايدن: بين الانسحاب من أفغانستان والانسحاب من الانتخابات

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
08/08/2024
شارك المقالة

في الحادي والثلاثين من أغسطس/ آب 2021، ومع انتهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، كانت عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في آب/أغسطس 2021 واحدة من أكثر القرارات إثارة للجدل في فترة رئاسة جو بايدن.

وبينما كانت هناك توقعات بأن الانسحاب سيضع حدًا لمعاناة القوات الأمريكية والمشاركة في نزاع طويل الأمد، أدت الطريقة التي تم بها الانسحاب، والفوضى التي صاحبته، إلى انتقادات واسعة النطاق من مختلف الأطراف، وكان لها انعكاساتها حتى على قضايا السياسة الداخلية في البلاد.

هذا على الرغم من أنه نادرا ما تظهر السياسة الخارجية بشكل بارز في حملة رئاسية، لكن يمكن تتبع بداية التدهور السياسي لبايدن مع “الانسحاب الكارثي” للولايات المتحدة من أفغانستان، وبعد مرور نحو ثلاث سنوات على هذا الانسحاب، تتم إعادة النظر في المشاهد المروعة للفوضى والارتباك في كابول، وسيظل هذا الفصل المؤسف في السياسة الخارجية الأمريكية ينعكس سلبا على إرثه السياسي لفترة طويلة بعد تركه منصبه.

وعلى الرغم من أن بايدن استمتع بفترة هدوء واستقرار سياسي في بداية رئاسته، فقد انخفضت نسبة تأييده بشكل ملحوظ بعد الانسحاب من أفغانستان، حيث تراجعت من 49% في بداية آب/أغسطس 2021 إلى 43% في نهاية سبتمبر/ أيلول من نفس العام.

وبعد عام، انخفضت نسبة تأييده إلى 38%، وبقيت عند هذا المستوى لنحو ثلاث سنوات، ولم تكن أفغانستان العامل الوحيد الذي أثر على الرأي العام. فسياسات التعافي من كوفيد19- للإدارة أدت إلى ارتفاع حاد في التضخم مما زاد من المخاوف الاقتصادية، وكثف التوترات السياسية (التي كانت متوترة بالفعل) في واشنطن، وفاقم من تدهور الأوضاع السياسية والصورة الذهنية السلبية تجاه إدارة بايدن في البلاد.

تقييم إدارة بايدن في الملف الأفغاني

مع ذلك، فإن هذا الخطأ في السياسة الخارجية قدم فرصة لمنتقديه ومنافسيه السياسيين لاستغلالها خلال محاولته لإعادة انتخابه، وإذا كان بايدن يستحق الإشادة، من وجهة نظر البعض، لإنهائه أطول حرب أمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن البعض قد ذهب للقول إن ما يقرب من عشرين عاما من الخبرة في أفغانستان أظهرت أن الوضع الأمني الحالي يؤكد أن سنة واحدة أخرى من القتال في أفغانستان ليست حلا بل وصفة للبقاء هناك إلى أجل غير مسمى”.

فلم يكن هناك طريق واضح إلى “النصر”، وتجاوزت تكاليف استمرار العمليات العسكرية في أفغانستان الفوائد، خاصة بالنظر إلى المصالح الوطنية المتنافسة في أوروبا (روسيا) ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ (الصين).

علاوة على ذلك، ورث بايدن اتفاق السلام الأفغاني المعيب من سلفه، والذي تضمن موعدا نهائيا غير قابل للتنفيذ لسحب جميع القوات الأمريكية بحلول أول أيار/ مايو 2021، وعلى الرغم من أنه مدد الموعد النهائي، إلا أن ذلك لم يوفر وقتا كافيا تقريبا للتخطيط والتنسيق وتنفيذ الانسحاب بشكل منظم.

ويقول البعض إنه كان يجب على الرئيس بايدن أن يحافظ على وجود عسكري صغير ودائم في أفغانستان، لكن طالبان كانت ستعتبر ذلك انتهاكا للاتفاق، مما سيشكل تحديا كبيرا لحماية القوات الأمريكية المتبقية في البلاد. وقد شهد الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي أنه يعتقد أن “الاحتمال الأكبر هو أن طالبان كانت ستعيد بدء العمليات القتالية”.

وفي البيت الأبيض، وصف بايدن الانسحاب من أفغانستان بعبارات أكثر وضوحا، قائلا: “لم يكن هناك سوى الواقع البارد المتمثل في إما متابعة تنفيذ الاتفاقية لسحب قواتنا أو تصعيد النزاع وإرسال آلاف الجنود الأمريكيين مرة أخرى إلى القتال في أفغانستان، والاندفاع إلى العقد الثالث من الصراع”..

وبعد وقت قصير من مغادرة آخر القوات الأمريكية أفغانستان، تحمل بايدن “المسؤولية عن القرار” بإنهاء العمليات العسكرية في حرب “كان ينبغي أن تنتهي منذ فترة طويلة”.

وإذا كان بايدن يستحق الثناء على قرار الانسحاب من وجهة نظر فريق من الأمريكيين، فإنه يستحق النقد على طريقة تنفيذ الانسحاب ذاته، وأن الكونجرس يحقق في عملية الانسحاب الفاشلة التي أسفرت عن مقتل 13 من أفراد الجيش الأمريكي، حيث أدلى محاربون قدامى بشهادتهم عن “فشل تنظيمي على مستويات متعددة”، وهو تقييم مشترك بين القادة الكبار في القوات المسلحة الأمريكية، بمن فيهم الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي والقائد السابق للقيادة المركزية الجنرال كينيث ماكنزي.

كما خلص رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايك مكول إلى أن “ما حدث في أفغانستان كان انهيارا منهجيا للحكومة الاتحادية على كل المستويات وفشلا مذهلا في القيادة من قبل إدارة بايدن”.

هل ينجح بايدن في أوكرانيا وفلسطين؟

في حين أن هذه الأحداث تبقي على أفغانستان ماثلة أمام الجميع (وفي الذاكرة الجماعية)، فإنها تثير أيضا سؤالا عما إذا كان هناك وقت لبايدن لتحقيق أي “انتصارات” كبيرة في السياسة الخارجية لتعويض فشل الانسحاب قبل أن يغادر منصبه.

وهناك احتمالان واضحان يتبادران إلى الذهن هما الحرب الجارية في أوكرانيا وحرب غزة، حيث يرجع إلى بايدن الفضل في أنه انتقل بسرعة من الكارثة في أفغانستان إلى الاستجابة الاستباقية لغزو روسيا لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، وحشد الدعم الدولي لمواجهة طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإقليمية.

وبالإضافة إلى تنسيق العقوبات متعددة الأطراف القاسية وزيادة العزلة الدبلوماسية ضد روسيا، أسست إدارته مجموعة الاتصال الدفاعي الأوكرانية، وهي تحالف يضم حوالي خمسين دولة قدمت أكثر من 100 مليار دولار كمساعدات خارجية ودعم لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن سيادتها.

وعلى الرغم من التوقعات الكبيرة، في بداية المعركة أن روسيا ستستولي على كييف في غضون أيام أو أسابيع، استمرت الحرب ودخلت عامها الثالث في فبراير 2024، بالإضافة إلى ذلك، تغلب بايدن على أشهر من المقاومة الشديدة من بعض الجمهوريين في الكونجرس لتزويد أوكرانيا بالموارد لمواصلة المعركة.

ومع ذلك، تحتفظ موسكو بقوة عسكرية هائلة في أوكرانيا مع اقتصاد مرن وموارد ضخمة. ونتيجة لذلك، لا يزال الوضع في طريق مسدود، حيث يتطلع أصحاب المصلحة إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 كمؤشر مهم لحل النزاع.

وعلى الرغم من الانتقادات الداخلية الشديدة (بما في ذلك من جانب أعضاء حزبه السياسي)، حافظ الرئيس بايدن على دعم الولايات المتحدة الثابت للكيان الصهيوني، في أعقاب هجمات حركة المقاومة الفلسطينية حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي أسفرت عن مقتل 1200 شخص واحتجاز حوالي 240 شخصًا كرهائن.

وخلال خطابه أمام جلسة مشتركة للكونجرس، أعرب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو عن امتنانه لأن (بايدن) ذهب إلى إسرائيل للوقوف معها خلال أحلك ساعاتها. ومع ذلك، اختلف بايدن ونتنياهو حول إدارة الحرب المستمرة منذ عشرة أشهر في غزة. وتردد أن بايدن ضغط على نتنياهو لقبول اتفاق وقف إطلاق النار خلال لقائهما اللاحق في البيت الأبيض.

وفي الوقت نفسه، تواصل قوات الجيش الإسرائيلي عملياتها العسكرية في غزة لهزيمة مقاتلي حماس، ويعاني المدنيون من الآثار الجانبية المدمرة للحرب، وفي حين أن الجهود الدبلوماسية الجارية لتحقيق وقف إطلاق النار قد تنجح، فإن التوصل إلى حل سياسي طويل الأجل لا يزال بعيد المنال بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، لا تزال الحالة في الشرق الأوسط متوترة، ويمكن لأحداث مثل العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سوريا، والهجوم الصاروخي في مرتفعات الجولان، وقيام الكيان الصهيوني بتنفيذ سياسات اغتيال واضحة سقط فيها عدد من رموز حركات المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان، وكان في مقدمتهم رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، إسماعيل هنية، في 31 يوليو 2024، والانتقام الإسرائيلي من حزب الله يمكن أن تؤدي إلى تصعيد أوسع نطاقًا في الصراع.

التحديات المستقبلية للرئيس القادم

إن الرئيس القادم للولايات المتحدة، بعد نهاية ولاية جو بايدن في يناير 2025، وأياً كان الرئيس جمهوري أو ديمقراطي، فإنه سيرث مجموعة واسعة من تحديات السياسة الخارجية التي ستتطلب خيارات ومقايضات صعبة. وعلى الرغم من أن المصالح والاستراتيجية الوطنية يمكن، بل وينبغي، أن توجه هذه القرارات، يعد الانسحاب من أفغانستان بمثابة تذكير بأنها تؤدي أيضا إلى عواقب سياسية.

لقد أضفى خطاب بايدن عند قراره بالانسحاب من الترشح للإنتخابات القادمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، قد أضفى الطابع الرسمي على نهاية حملة إعادة انتخابه السياسي، فإن انهيار إدارته وتراجعها على كل المستويات بدأ قبل سنوات مع الأحداث الكارثية عند الانسحاب من أفغانستان وما يرتبط بها من فشل استراتيجي بعد مرور عقدين من الصراع.

وعلى الرغم من أن إرث سياسة بايدن الخارجية يمكن تأطيره من خلال دعم لا يتزعزع للديمقراطية والنظام العالمي، فضلا عن الالتزام الدائم بالتحالفات والشراكات في مرحلة شهدت العديد من التحولات السياسية والاقتصادية، ودرجة عالية من عدم اليقين الاستراتيجي والصراع الواسع النطاق، إلا أنه اسمه سيظل دائمًا مرتبطًا بنهاية كارثية لواحدة من أهم أزمات السياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وأن مخرجات كارثة أفغانستان والانسحاب الأمريكي المهين منها، هو عند فريق واسع من الأمريكيين لا تقل في كارثيتها عن مخرجات حرب فيتنام في السبعينيات من القرن العشرين، والتي ما زالت راسخة حتى اليوم في عقول ونفوس ملايين الأمريكيين.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية